& إبراهيم النحاس&

&العالم الإسلامي في هذا الوقت الدقيق أمام مرحلة تاريخية غاية في الأهمية تتطلب قراءتها قراءة دقيقة ومناقشتها مناقشة مستفيضة لمعرفة الأهداف الحقيقية والدوافع من وراء عقد قمة كوالالمبور بعيداً عن الطروحات العاطفية والخطابات السياسية والشعارات التسويقية..

إن كان العام 1969م شهد جهداً كريماً لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صف الأمة الإسلامية لخدمة قضاياها المصيرية والدفاع عن حقوق المسلمين أمام المجتمع الدولي، فإن ديسمبر 2019م شهد عملاً سلبياً وتصرفاً غير عقلاني لتشتيت كلمة المسلمين وتفتيت وحدة صف الأمة الإسلامية خدمة للأهداف الطائفية والمذهبية، وتأكيداً للتطلعات الحزبية الضيقة والإقصائية.

وإن كانت السنوات السابقة للعام 1969م شهدت جهداً دبلوماسياً عظيماً وعملاً سياسياً جليلاً قامت به المملكة وقادتها الكرام في سبيل إنشاء وتأسيس منظمة دولية تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية من دون استثناءات طائفية أو مذهبية أو عرقية أو اقتصادية أو سياسية حرصاً على خدمة الإسلام ودفاعاً عن كرامة المسلمين في كل مكان؛ فإن شهر ديسمبر 2019م شهد جهداً دبلوماسياً هداماً وعملاً سياسياً تخريبياً قامت به أربع دول إسلامية تتطلع من وراء ذلك لإضعاف المنظمة الدولية الإسلامية التي تأسست العام 1969م، وتسعى لتأسيس منظمة دولية إسلامية تقوم على أسس حزبية وطائفية ومذهبية، وذات أهداف وأطماع سياسية. فما بين الجهود العظيمة للمملكة وملوكها الكرام في خدمة الإسلام وجمع كلمة المسلمين بتأسيس منظمة التعاون الإسلامية في 1969م ورعايتها بعد ذلك؛ وما تقوم به ماليزيا وإيران وتركيا وقطر من هدم لمبادئ وقيم الإسلام وتشتيت كلمة المسلمين وشق صفهم من خلال قمة كوالالمبور 2019م؛ يتضح الفرق الكبير بين من يخدم الإسلام وأهله؛ ومن يخدم أهدافه الخاصة ويشتت كلمة المسلمين، ويبرر لأعداء الأمة الإسلامية أفعالهم تجاه الإسلام والمسلمين.

إن العالم الإسلامي في هذا الوقت الدقيق أمام مرحلة تاريخية غاية في الأهمية تتطلب قراءتها قراءة دقيقة ومناقشتها مناقشة مستفيضة لمعرفة الأهداف الحقيقية والدوافع من وراء عقد قمة كوالالمبور بعيداً عن الطروحات العاطفية والخطابات السياسية والشعارات التسويقية التي تحدث بها المجتمعون في كوالالمبور أو أولئك الذين يهاجمون تلك القمة من منطلقات عاطفية أو مواقف سياسية بحتة. هذه القراءة الدقيقة والمناقشة المستفيضة تقوم على تساؤل مهم جداً وهو: لماذا كوالالمبور، وفي هذا التوقيت، وبتلك الأسماء المشاركة؟ إنه تساؤل عريض، ولكنه مهم جداً لمعرفة المسببات والأسباب لتفادي السلبيات العظيمة الحاصلة في قادم السنوات. وإذا كانت الإجابات على هذا التساؤل تقوم على افتراضات، إلا أنها افتراضات تقوم على قراءة للواقع المُشاهد ولأهداف الدول المشاركة فيها.

ومن مبدأ الافتراض نستطيع القول: إن اختيار كوالالمبور مكاناً لعقد القمة يأتي من منطلقات متعددة منها: أن إرثها التاريخي يفرض عليها القبول بتنفيذ توجهات الطرف أو الأطراف أصحاب القوة والنفوذ في تاريخها السياسي والاقتصادي، وبالتالي ليس لها مجال إلا أن تنفذ ذلك. ومنها أنها تبحث عن أدوار سياسية تجعل لها مكانة دولية أكبر من قدراتها الوطنية، وبالتالي تبنت الدعوة ودعت لها ونفذتها. ومنها أنها تخدم الأجندة الحزبية لأصحاب السلطة التنفيذية المُتطلعين لقيادة تلك التيارات الحزبية في العالم الإسلامي، وبالتالي وجدتها فرصة تاريخية لخدمة أهدافها الحزبية الضيقة وتوسيع نفوذها السياسي في الدول الإسلامية الأخرى.

ومن مبدأ الافتراض أيضاً لماذا في هذا التوقيت تُعقد قمة كوالالمبور؟ هذا الافتراض يمكن الرد عليه من عدة منطلقات منها: أن بعض دول العالم الإسلامي تشهد تراجعاً في أدوارها السياسية نتيجة التحولات السياسية التي تشهدها، وبالتالي وجدت كوالالمبور الفرصة مواتية للظهور والبروز على حساب دول إسلامية أخرى. ومنها أنها أرادت استغلال الخلافات السياسية القائمة بين كبرى الدول الإسلامية، فدعت لعقد قمة ظناً منها أنها تستطيع تشكيل محور إسلامي حزبي وطائفي يخدم مصالحها السياسية ويضيف لمكانتها الدولية بعداً أكبر من مكانتها الحقيقية، وبالتالي رأت أن هذا هو التوقيت المناسب. ومنها أن هناك طرفاً أو أطرافاً دولية أوهمت كوالالمبور بأن هذا هو التوقيت المناسب لزيادة مكانتها الدولية على حساب الدول الرئيسة في العالم الإسلامي، وبالتالي صدَّقت تلك الأوهام وعملت على تنفيذها.

ومن مبدأ الافتراض أيضاً لماذا هذه الدول تشارك في القمة؟ وهذا الافتراض يمكن الرد عليه بالتالي: فإيران وجدت في كوالالمبور المكان المناسب لتنظيف سجلها الطائفي، ولتسويق سياساتها الهدامة والمتطرفة، ولخدمة أجندتها التخريبية والتوسعية، ولمواصلة الكذب والتدليس السياسي والإعلامي في أرجاء العالم الإسلامي، ولتعزيز مكانتها السياسية على حساب مركز العالم الإسلامي المملكة العربية السعودية. وتركيا وجدت في كوالالمبور المكان المناسب لتسويق سياستها الحزبية، ولتعزيز مكانتها السياسية على حساب مركز العالم الإسلامي المملكة، ولخدمة توجهاتها السياسية لدى الرأي العام الإسلامي. أما قطر فوجدت في كوالالمبور الساحة التي من خلالها تواصل خدمة أجندتها السياسية، والمكان المناسب لتعزيز مكانتها السياسية في المجتمع الدولي! أما ماليزيا فإن تطلعاتها وأحلامها السياسية التي تتجاوز إمكاناتها جعلتها تقبل بأن تكون العاصمة التي تستضيف والدولة التي تدعو والمكان الذي يجمع شتى أنواع المتناقضات السياسية.

وبعيداً عن مناقشة صحة أو خطأ هذه الإجابات الافتراضية، إلا أن الذي يمكن التأكيد عليه هو أن قمة كوالالمبور، التي استطاعت من خلالها إيران وتركيا أن تُسخران وتستغلان وتوظفان ماليزيا وقطر لخدمة أجندتهما السياسية وتوجهاتهما الطائفية وأفكارهما الحزبية ومصالحهما المتعددة والمتنوعة في المنطقة والعالم الإسلامي، قد حققت نقطة نجاح واحدة تمثلت في شق صف الأمة الإسلامية وتشتيت كلمة المسلمين وبث الوهن بينهم. أما تلك الخطابات السياسية التي طرحت لتبرير عقد قمة كوالالمبور فليست إلا شعارات لتضليل الرأي العام وكلمات لاستدراج عاطفة المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي.

وفي الختام من الأهمية القول: إن قمة كوالالمبور إنما هي قمة من غير أهل القمة. فلا يكفي أن تدعو لقمة لتكون من أهلها وأصحابها، وإنما يجب أن تكون أهلاً لها وقادراً على تحمل تبعاتها. فللقمة الإسلامية مركز، ومركزها في مكة المكرمة؛ وللقمة أهلها ورموزها، وأهلها ورموزها ملوك المملكة وخدام الحرمين الشريفين؛ وللقمة أعباؤها السياسية وتبعاتها المادية وتكاليفها المالية، ولتحمل تلك الأعباء والتبعات والتكاليف يجب أن تكون كالرياض الشامخة بقدرتها السياسية والدبلوماسية والمادية والمالية، والمدافعة عن الإسلام، والخادمة لمنهجه القويم، والحاملة لهموم المسلمين. بهذه المواصفات تكون القمة قمة بمعناها العملي وبنتائجها البناءة التي تخدم الإسلام وتوحد صفوف المسلمين، وما عدا ذلك إنما هو هدم لمبادئ وقيم الإسلام وتدمير لوحدة المسلمين.









&