& فهد سليمان الشقيران

&

حين نتحدث عن لبنان وأزماته، لا بد من الفصل بين النظام السياسي القائم، ولبنان المجتمع والتاريخ، بل إن النظام القائم غشاوة على ما يميز لبنان ومعول هدمٍ لتاريخه.
ما يعرفه الناس عن لبنان هذه الأيام الركام الكارثي الذي خلفه العمل السياسي الهمجي، بسبب الفلتان الإداري، والتيه الاقتصادي، وقبلهما الفساد الاستثنائي على مستوى العالم، فساد خارق ومنظّم ومبرمج وعام.
طوال المنعطفات الكبرى كانت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، مساهمة بشكلٍ إيجابي، الهدف الحفاظ على لبنان المتنوّع بطوائفه وأقلياته الحيوية، بالإضافة لما حملته التجارب من ردٍ للتحية بمثلها أو أحسن منها في مواقف عديدة.

يروي السفير التاريخي عبد العزيز خوجة ما دار بعد حرب يوليو (تموز) 2006 حين التقى حسن نصر الله ضمن لقاءات متعددة جمعتهما بتوجيهٍ من القيادة السعودية؛ نصر الله الجاهل بالتاريخ يظنّ أن السعودية وقعت ضحية هيمنة استعمارية، ولذلك يطلب من خوجة تجربة الهيمنة الإيرانية، لتكون من ضمن تجارب السعوديين مع تلك الأمم. السفير خوجة صعق بالطبع من هذا القول، لقد باح زعيم الميليشيا بمشروع مرجعيته البعيد، «الهيمنة الإيرانية على الخليج»، ولكن هيهات.
وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، يقول في حوارٍ تلفزيوني قبل أيام: «إن السعودية لم تفِ بالتزاماتها المالية»! يشعر بالأسى لهذا الموقف، والحقيقة أن عجائب جل الساسة في لبنان لا تنقضي ولكن خليل هنا يريد للسعودية أن تدفع للبنان دعماً دائماً أياً كان موقف النظام! هل يتفوه بهذا الكلام من يتعاطى أبجديات السياسة في العالم؟! طوال العقود الماضية قدمت السعودية أموالاً كبيرة للمؤسسات اللبنانية التعليمية والمالية، هدفها الوقوف مع الناس والمجتمع، ووقفت معه في أسوأ الظروف، ولم تتوانَ عن رفد الاقتصاد اللبناني قبل انهياره، أو العمل مع المانحين على سد الثغرات وتحريك عجلة الاقتصاد، والحفاظ على سعر الليرة.

رئيس الحكومة المكلف حسان دياب مرشح «حزب الله»، والقوى التي ستشكل الحكومة ستكون ضمن كتلة معادية صريحة للدول الطبيعية المعتدلة في المنطقة، حكومة يتم تركيبها بمتاريس ميليشيوية ليس لها علاقة بمطالب الشعب ولا بتطلعاته.
قبل أيام كتب فارس خشان الآتي: «في مقالة وقعها عدد من الشخصيات الفرنسية، ونشرتها صحيفة (لوموند) الفرنسية لحث باريس على مساعدة اللبنانيين في إنشاء دولة علمانية، وردت معلومة تفيد بتلقي لبنان خلال ثلاثين سنة ما يقارب الـ260 مليار دولار من التحويلات، أي ما يوازي مرة ونصفاً ما تلقته أوروبا في إطار مشروع مارشال».
فشل النظام السياسي اللبناني في التأقلم مع محيطه العربي بلغ ذروته مع تسلط البعض وهيمنتهم على الحكومة اللبنانية، التي فعّلت صيغة «النأي بالنفس» لغرض إخراج لبنان من محيطه العربي.
استطاع نصر الله جعل الحكومة بعيدة عن محيطها، إذ لم تدن أي موقف عدواني ضد قصف المقدسات في المملكة، أو استهداف منشآت أرامكو، مما يبين مدى السذاجة السياسية الممارسة في الداخل، والتغطرس غير المبرر تجاه دول إقليمية لها ثقلها ووزنها مثل دول الخليج والسعودية.

السعودية الجديدة الصاعدة اليوم مختلفة واستثنائية، أمر لم يعه بعض رموز النظام الحاكم، يريدون دعماً بلا مصالح ثنائية!
الحكومة السعودية لمن يتابع أنظمتها وقوانينها الصارمة الحديثة، تتجه نحو بناء تحالفات ومصالح، ولن تدعم رموز الفساد التي تأخذ المال ثم تناصبك العداء. اليوم العالم كله أمام سعودية قوية، تستطيع أن تبني صداقات إلى أمدٍ بعيد، ولديها القدرة على منازلة الأعداء في وضح النهار.
على رموز النظام في لبنان الاستفادة من السعودية الجديدة... أن يفيدوا من الأنظمة الحديثة المكافحة للفساد، فمثلاً في 12 ديسمبر (كانون الأول) صدر الأمر الملكي رقم (أ-277) وفي الفقرة رقم (9) منه: «إذا طرأت على ثروة الموظف العام ومن في حكمه بعد توليه الوظيفة زيادة لا تتناسب مع دخله أو موارده بناءً على قرائن مبنية على تحريات مالية بارتكابه جرائم فساد مالي أو إداري، فيكون عبء الإثبات عليه للتحقق من أن ما لديه من أموال تم اكتسابها بطرق مشروعة، وفي حال عجزه عن إثبات مصدرها المشروع، تحال نتائج التحريات المالية إلى وحدة التحقيق والادعاء الجنائي في الهيئة، للتحقيق مع الموظف المعني واتخاذ ما يلزم نظاماً».

يمكن لأولئك الرموز إدمان المطالعة على القوانين السعودية في مكافحة الفساد، والحوكمة، وتطوير قطاعات التنمية والاقتصاد، ومراقبة مرتبة السعودية في الشفافية خلال السنوات القليلة الماضية... تعلموا أن في السعودية ما هو أثمن من المال... إنها «الإدارة»، والسلام.