هيلة المشوح

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي بادرت إلى الإشادة بنزاهة القضاء السعودي إزاء قضية جمال خاشقجي، وذلك من خلال تصريح معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بأن تعامل المملكة مع محاكمة المتورطين بالجريمة «يؤكد استقلالية القضاء السعودي، ونزاهته وكفاءته، حيث تميزت إجراءات سير القضية بسرعة التقاضي وتحقيق العدالة من خلال عملية قضائية عادلة وشفافة». وهي القضية التي أُسدل الستار عليها يوم الإثنين الماضي في المحكمة الجزائية بالرياض بموجب أحكام قضائية مشددة على منفذي الجريمة، حيث تم توجيه الاتهام بحق 11 شخصاً، تم الحكم بعقوبة القتل قصاصاً على خمسة منهم لمباشرتهم تنفيذ القتل، والسجن لثلاثة من المتسترين على الجريمة، والبراءة لثلاثة آخرين لعدم ثبوت إدانتهم في الحقين العام والخاص.

وقد شغلت قضية مقتل جمال خاشقجي الرأي العام العالمي لأكثر من سنة، ليس لتعقيداتها أو لغموض تنفيذها، بل لاستثمارها من جهات معادية والمتاجرة بها إعلامياً وعلى نطاق واسع من التلفيق والتشويه لطمس الحقائق وإظهار المملكة العربية السعودية بصورة تنافي مكانتها وتاريخها النزيه. ولا شك في أن هذه القضية تعد حادثة غير مسبوقة وواقعة تحتاج الكثير من التأني والحكمة للتعاطي معها والخروج منها بما يؤكد نزاهة المملكة المعهودة، والتي يتفق عليها العالم أجمع. لذا كان القضاء هو الملجأ الأوحد للبت في القضية، رغم محاولات التشويش من الجانب التركي وتلويحه بأدلة رفض تقديمها أو الإدلاء بها، ليتبين لاحقاً أنها أدلة وهمية ومزايدات عبثية ومجرد وسيلة لمحاولة الضغط على المملكة وإرباكها أمام العالم، مما يؤكده سلوك الجانب التركي، خاصة بعد ما أعلنته النيابة العامة السعودية من إرسال 13 مذكرة إنابة قضائية إلى الجانب التركي لتزويدها بما يتوفر لديه من الأدلة من موقع مسرح الجريمة، لكن لم ترِد أي إنابة (إفادة رسمية) إلا إنابة قضائية واحدة تخص القنصل السعودي محمد العتيبي بشهادة الشهود من الجنسية التركية أنه كان معهم يوم وقوع الجريمة حيث كان يتمتع بإجازة رسمية، في حين تجاهل الجانب التركي 12 إنابة وفشل في الرد عليها!

حين تم الإعلان عن نتائج المحاكمة وأسماء من برّأتهم المحكمة، تساءل كثيرون ممن يجهلون القضاء عن أسماء مَن تمت إدانتهم، وهذا في الواقع يخالف أنظمة القضاء في المملكة، فالإعلان عن المدانين لا يتم إلا بعد إجراءات التنفيذ، والتشهير بالأسماء عقوبة قائمة بحد ذاتها، فلا أسماء يعلن عنها قبل تنفيذ الأحكام. وهذا ما دأب عليه القضاء السعودي في أي قضية. هذا من ناحية الإعلان، أما من ناحية سير المحاكمة فقد تم في 9 جلسات والنطق بالحكم في الجلسة العاشرة في مدة قياسية لم تتجاوز بضعة أشهر وبحضور ممثلين من أسرة خاشقجي ومن تركيا، فضلاً عن ممثلين عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.. حضروا جميع جلسات القضية العشر.

وما يزال المسلسل الدرامي التركي يكرر حلقاته في قضية خاشقجي بإسفاف ورتابة، حتى بعد انتهاء فصولها، وما زالت تركيا تحاول الابتزاز باجترار الأسطوانة ذاتها، بادعائها امتلاك تسجيلات وأدلة تغير مسار القضية، حتى فقد «المخرج» مصداقيته ودبّ الملل في الرواية الفارغة والسيناريو الهزيل الذي أفضى إلى كلاكيت آخر مشهد.. فرفعت الأقلام!
&

&