&علي محمد فخرو

كم من المواقف المُعادية لحقوق وقضايا وطموحات الأمة العربية يجب أن توقفها، بتحدًّ وعجرفة، سلطات القرار الأمريكية حيث الأمر لم يعد مجرد اختلافات في الرأي، قابلة للأخذ والرد، حول تلك القضايا والحقوق والطموحات العربية؛ وإنما هي هجمة استعمارية أمريكية على أمة العرب، ووطنها الكبير.
أصبحت أمريكا تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المنطقة. الوزراء والمبعوثون الأمريكيون يجوبون عواصم الوطن العربي؛ ليقدموا ما يدعون كذباً النصائح، بينما هي في الحقيقة أوامر وتهديدات مبطنة، تعقبها أشكال لا تحصى من العقوبات البنكية والتجارية بحق الأفراد والشركات والأحزاب والحكومات العربية.
اليوم يجلس الأمريكيون في عواصم؛ مثل: بغداد وبيروت؛ حيث الحراكات الجماهيرية تجوب الشوارع، ليعلنوا ما يوافقون عليه، وما يرفضونه، وكأن عواصم بلاد العرب قد أصبحت بلدات في ولايات كاليفورنيا أو ألاباما، وكأن الحراكات الشبابية العربية هي تظاهرات طلابية في إحدى الجامعات الأمريكية.
نحن نعلم أن ما يحدث لنا هو جزء من التعامل الحالي الأمريكي المجنون مع العالم كله؛ لكن لا توجد بلاد في هذا العالم مستباحة وعاجزة أمام الصلف الأمريكي الحالي كما هي الحال في بعض بلاد العرب.
أما المواقف الأمريكية من كل الموضوع الفلسطيني برمته، فقد وصلت إلى مستويات، خارجة على كل القيم الإنسانية، وكل الممارسات الأخلاقية، حتى في حدودها الدنيا؛ بحيث أصبحت أمريكا كياناً صهيونياً عولمياً ينافس الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة في جرائمه الإنسانية البشعة تجاه شعب أعزل محاصر، محتلة كل ذرة من أرضه وبحاره وسمائه.
لا يقف هذا الموقف العربي المتهالك تجاه أمريكا فقط. فلقد أصبحت دول إقليمية قادرة على ممارسة نفس التدخلات والإملاءات والاستباحة. فتركيا تتصرف في الشمال السوري العربي، وكأنه قطعة من الأناضول التركي أو من أملاك الإمبراطورية العثمانية في أيام مجدها وجبروتها.
وإيران تعطي التوجيهات بشأن ما هو مسموح وغير مسموح في أرض العراق، وكأن بغداد قد أصبحت ضاحية من ضواحي طهران.
فما الرد العربي على كل ذلك؟
في بلاد العرب لم يقتنع أحد بعد بأن الأوضاع العربية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية قد وصلت إلى حدود الموت السريري البطيء، وأن الجثة العربية هي الآن ترقد بانتظار الدفن من قبل أعداء هذه الأمة، وعلى الأخص حفار القبور الأمريكي.
وإلا، فهل يعقل بأن وضعاً كهذا لم تتم دعوة قمة عربية طارئة؛ للنظر في مواجهته، والخروج منه؟ هل يعقل أنه لا يوجد من يطلب اجتماعاً طارئاً لقمة عربية تجتمع للنظر في استراتيجية مشتركة، حتى ولو مؤقتة، تقول لتلك الدول الناهشة للحم أمة العرب، والتي تلغ في دمائها كل يوم؛ بل في كل لحظة، «كفى»؟
والجماهير المليونية التي تجوب الشوارع والساحات، متى ستدرك أن حل مشاكلها المعيشية، التي تستحوذ على كل اهتماماتها، مرتبطة أشد الارتباط بالخروج من ظاهرة استباحة الخارج لكل جانب من جوانب الداخل العربي، فتطرح مواجهته كشعار من شعاراتها الأساسية؟

&