& محمد لعقاب

&شيَّع الجزائريون أمس الأربعاء، جثمان الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش، في جو مهيب، وخشوع ودموع لم تشهدها الجزائر المستقلة مثيلا لها، إلا فرمة سابقة أولى، في نهاية شهر ديسمبر 1978 بوفاة الرئيس الزعيم هواري بومدين.


لقد حضر جنازته الجزائريون من كل ربوع الجزائر، وكانت الجنازة رسمية وشعبية معا، وفتح الجزائريون بيوت العزاء في كل المناطق، وفي يوم وفاته تم إطلاق إسمه على نحو 360 مولود جديد، وهي حالة لم يفعلها الجزائريون إلا مع ثلاث شخصيات فقط: الرئيس الراحل هواري بومدين، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وحسب محرك البحث غوغل فإن صورة القايد صالح شاهدها في يوم واحد نحو 400 مليون شخص، وتفنن الجزائريون في مدحه، فقال أحدهم، إنه أحمد نسبة للرسول محمد -ص- وأنه قائد، فقد عاش 80 سنة، منها 64 سنة في خدمة الوطن، وإنه صالح من الصلاح.


وتم رثاؤه في عدة بلدان عربية منها: مصر وسورية، مثل الشاعر السوري سمير أحمد تشتوش، الذي نظم مرثية مطلعها:

مصباح عمرك في الحياة توقفا فتركتنا والحزن زاد توصفا

ويا للأقدار، لقد قرر رئيس الجمهورية الجديد عبد المجيد تبون تكريمه بوسام الصدر، بصفة استثنائية، لأنه وسام يمنح عادة للرئيس المنتهية ولايته، وكأنه إلهام بقرب رحيل الزعيم، وفعلا بعد 4 اربعة أيام انتقل إلى العالم الآخر.

بكاه ملايين الجزائريين، حيث خلده التاريخ بأنه قائد عسكري تمسك بالدستور، والإنتخابات، في وقت كان في مقدوره تسلم السلطة، ولا أحد كان بمقدوره أن يمنعه عن ذلك.

اليوم كل الجزائريين يقولون: أنه منع انهيار البلاد، وحال دون تمكن أصحاب المؤامرات تحت مسميات مختلفة من داخل الجزائر وبدعم قوي من خارجها من تحقيق أجنداتهم، لقد أسقط ما سمي" المرحلة الانتقالية غير الدستورية" وأسقط فكرة "المجلس التأسيسي" ووأد فكرة "الحكم الفيدرالي".. وكلها أفكار كانت ستؤدي لتفتيت الجزائر وربما إلى حرب أهلية. لذلك فإن مواقفه حالت دون إزهاق آلاف الأرواح.

لقد تمكن القايد صالح، من إقالة بوتفليقة دستورياًّ، وسجن رؤوس العصابة، ومحاكمتهم في مشهد هوليودي مثير، وهو مجاهد من الرعيل الأول لثورة نوفمبر، استطاع أن يراوغ "حزب فرنسا" الحاكم في الجزائر، حتى تمكن منه، وسلم الجزائر لأول رئيس مدني فعليا ومنتخب ديمقراطيا.. لقد صان الوديعة، وحمى الأمانة، وسلمها ورحل .. رحل الزعيم، والزعماء يرحلون لتبقى مآثرهم.