&أمين ساعاتي


قبل أكثر من 60 عاما صدر نظام باسم "من أين لك هذا؟"، وهو نظام يهدف إلى تنقية المناخ الإداري في المملكة من شوائب الفساد، وخيانة الأمانة، والتدليس، لكن النظام لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ.
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أوامر ملكية موفقة لإعادة هيكلة أنظمة الرقابة ومكافحة الفساد وتحقيق النزاهة متمثلة في ضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، وتعديل اسمها ليكون "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"، ومنح النظام الجديد للهيئة الجديدة صلاحيات استثنائية من أبرزها إنشاء وحدة تحقيق وادعاء جنائي، كما منحها حق فصل الموظف الحكومي الذي تحوم حوله شبهات الفساد بأمر ملكي مع استمرار مقاضاته قانونيا حتى يصدر الحكم النهائي.
وأشارت الأوامر الملكية التي أعادت هيكلة أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد إلى أنه في حال طرأت على ثروة الموظف العام ومن في حكمه بعد توليه الوظيفة زيادة ملحوظة في ثروته لا تتناسب مع دخله أو موارده بناء على قرائن موضوعية مبنية على تحريات مالية بارتكابه جرائم فساد مالي أو إداري، فيكون عبء الإثبات على الموظف للتحقق من أن ما لديه من أموال تم اكتسابها بطرق مشروعة، وفي حال عجزه عن إثبات مصدرها المشروع تحال نتائج التحريات المالية إلى وحدة التحقيق والادعاء الجنائي في الهيئة للتحقيق مع الموظف المعني واتخاذ ما يلزم نظاما.

واضح مما سبق أن التحقيق مع الموظف لن يكون تحقيقا عشوائيا، وإنما يستند إلى قرائن وشواهد موضوعية واضحة حتى لا تشوب القضايا أي شائبة تسلط أو تنمر.
إن التنظيم الرقابي الجديد يجلل مبدأ فرض الحزم وممارسة مبادئ العدالة على كل من يقوم بالوظيفة العامة، ليكون الموظف هو الحريص على كرامة الوظيفة، وفي الوقت نفسه تكون الإدارة الحكومية هي الحريصة على كرامة الموظف، والوظيفة العامة تكليف وليست تشريفا، ولذلك يبين التنظيم الرقابي المومى إليه أهمية تحصين المال العام، والمحافظة على حرمته، وإبعاده عن الشهوات والشبهات والنزوات الشخصية، فالوظيفة أولا وأخيرا هي للوطن والمواطن، والموظف الذي تناط به الوظيفة يقوم بمهمة وطنية تستهدف البناء والتنمية لخير البلاد والعباد، ولا تستهدف بأي حال من الأحوال المصالح الشخصية للموظف على حساب الوطن والمواطن.
واضح مما سبق أن أهم ما يعنى به النظام الجديد هو موضوع الذمة المالية في جميع الوزارات والهيئات الحكومية.

بمعنى نريد أن يفصح المسؤولون في هذه الجهات سنويا عن علاقاتهم وارتباطاتهم المالية بالمنشآت التي يديرونها ويشرفون عليها بحكم عملهم مقارنة بالتغيرات المالية التي تطرأ على أرصدتهم وممتلكاتهم وحياتهم ومعاشهم.
ونجزم أن مفتاح ضبط الفساد الإداري والمالي هو بيانات الشفافية أو لنقل بيانات الذمة المالية، وإذا أفصح المسؤولون عن أرصدتهم وأملاكهم قبل أن يباشروا العمل في وظائفهم المكلفين بها، فإن إثبات النزاهة والشفافية سهل وميسور، حيث يتضح من خلال الفروق بين البيانات السابقة واللاحقة الموقف الصحيح للموظف.

والحقيقة، إن محاربة الفساد الإداري والمالي في هذه الأيام أصبحت مهمة تقوم بها كل دول العالم، وبالذات العالم المتقدم بعد أن أحست الحكومات أن الفساد آفة تعرقل مشاريع التنمية والتطوير.
ودعونا نكن صرحاء، فالفساد الإداري من أهم المعاول التي هدمت أركان الدول عبر كل مراحل التاريخ، ولا سيما حينما تركت هذه الدول ذلك الفساد ينهش في أعمدتها دون أن تتحرك حكوماتها سريعا للقضاء على سرطان الفساد، ما أدى في النهاية إلى تقويض أركان الدولة العفية.

لا نريد أن نتهم الذمم النقية في هذه البلاد الطاهرة، أو نخص أي اسم بالمساءلة، وإنما نتوخى وجود آليات واضحة للشفافية يلتزم بها، ويحترمها الجميع ويحرص على تطبيقها لينقي ساحته من الشبهات، ولا سيما أن "رؤية السعودية 2030" هدفها شحذ همم الإبداع في الإنسان السعودي، وبناء الشخصية السعودية ذات القدرات المخلصة الهادفة إلى قيام العمل بالعدالة والقانون.
إنني أتوقع أن التنظيم الرقابي الجديد الذي صدر بمجموعة من الأوامر الملكية أخيرا سيرفع اسم المملكة في قائمة الشفافية العالمية في الأعوام المقبلة، وسيجعل ترتيب المملكة يتناسب مع أخلاقيات المواطن السعودي، ونقائه ووجوده في أهم بقعة في كوكب الأرض، حيث بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

&