&

&عبدالله السناوي

&

تتعدد الإشارات على قرب التدخل العسكري التركي في ليبيا، كأن نشوب حرب إقليمية فوق أراضيها مسألة وقت.
كانت مذكرتا التفاهم بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بشأن ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي أقرب إلى إعلان حرب توشك أن تبدأ عملياتها.
بدت مذكرة ترسيم الحدود البحرية إنذاراً باحتمال صدام مسلح شرق المتوسط في الصراع على حقوق الغاز، غير أن اتجاه الصدام ذهب إلى العاصمة الليبية طرابلس، وفق المذكرة الأخرى.
الصدام في شرق المتوسط يكاد يكون مستبعداً بحكم تداخل القوى الأوروبية وحساباتها التي يصعب تجاوزها، كما حجم المخاطر المروعة على السلم الدولي التي لا يحتملها أحد في العالم.
التدخل في ليبيا تكلفته أقل نسبياً من حيث درجة المخاطر وغض الطرف ممكن في لعبة المصالح الدولية.
يوماً بعد آخر، وتصريحاً بعد آخر، تنزلق الأزمة الليبية إلى أعنف مستوياتها.

حكومة «السراج»، تطلب تدخلاً عسكرياً جوياً وبحرياً وبرياً من تركيا وفق المذكرة الموقعة، و«أردوغان» يتأهب للتدخل بعد استصدار تفويض برلماني متوقع أوائل يناير المقبل بإرسال قواته لليبيا.
بالتزامن جرى نقل نحو ألف مقاتل موالٍ لتركيا من سوريا إلى ليبيا، حسب ما هو منشور.
هؤلاء المقاتلون قد يلعبون على الأغلب نفس الدور الذي لعبوه في عملية «نبع السلام» التركية في الشمال السوري، أن يتقدموا كمفرزة أمامية تتحمل المخاطر في ما يوفر الجنود الأتراك قوة الإسناد.

في تتابع الحوادث بدت تونس موضوع تساؤلات قلقة حول ما إذا كان ممكناً توريطها في الحلف الذي يقوده «أردوغان»، أو أن تكون معبراً لمرور القوات التركية إلى الأراضي الليبية.

الرئيس التركي زار تونس بصورة مفاجئة بصحبة وزير دفاعه ورئيس استخباراته ومستشاريه الأمنيين، إضافة إلى وزير الخارجية.
تشكيل الوفد يوحي دون لبس بطبيعة مهمته، ما الذي دار بالضبط في الاجتماعات المغلقة؟ هذا سؤال أول.
من الذي نظم الزيارة المفاجئة ووضع جدول أعمالها؟ هذا سؤال ثانٍ. ما حقيقة توجهات الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد؟ هذا سؤال ثالث. هل جرت فعلاً تفاهمات سياسية وأمنية وعسكرية في الشأن الليبي، حسبما أوحى أردوغان، قبل التراجع عنها بضغط الرأي العام وقوى سياسية وبرلمانية ونقابية عديدة؟ هذا سؤال رابع.

الأسئلة تكتسب أهميتها من وزن تونس الجغرافي في الأزمة الليبية، حيث تمتد حدودهما المشتركة إلى نحو (500) كيلومتر.
يستلفت الانتباه في سعي الرئيس التركي إلى توسيع نطاق تحالفاته قدر المبادرات التي يطلقها، حتى يكاد يصعب ملاحقتها.
كانت قمة كوالالمبور إحدى تلك المبادرات المثيرة في توقيتها وطبيعة المدعوين إليها.
وعلى الرغم من أن موضوعها المعلن ما يتعرض له العالم الإسلامي من تحديات ومخاطر، كان هدفها الفعلي يتلخص في محاولة توسيع دوائر تحالفاته الإقليمية والإسلامية.
استخدمت ماليزيا منصة إعلان عن تحالف جديد بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي.

المعنى أن التدخل العسكري التركي المزمع في ليبيا جزء من تصور استراتيجي يعتقد فيه أردوغان أنه يوسع بمقتضاه دوائر نفوذه وحجم أدواره. يريد أن يقول - أولاً - إنه طرف رئيسي في جوائز حقول الغاز، ولا يمكن استبعاده باسم القانون الدولي من أي حقوق يتصورها لنفسه. ويريد أن يقول - ثانياً - إنه طرف رئيسي في أزمات الإقليم المتفاقمة، ولا يمكن تجاهل دوره في أي تسويات محتملة. ويريد أن يقول - ثالثاً - إنه إذا أرادت الأطراف الدولية استبعاد الحرب الإقليمية في ليبيا، فإنه حاضر بشروطه مع حلفائه في برلين.
يلوح باستخدام القوة في اتجاهات استراتيجية متباعدة في شرق المتوسط وشمال سوريا وداخل الأراضي الليبية، كأنه قوة عظمى، في حين أن الولايات المتحدة نفسها تعجز عن هذه الاستخدامات للقوة، فللقوة حدودها وطاقاتها التي لا تتعداها.
يندفع كأنه لا يمكن إيقافه، ويريد للعالم أن يصدق أنه رجل فقد عقله، يمكن أن يفعل أي شيء دون تحرز، مراهناً على أن يحصد ما يطلبه من أهداف بأقل كلفة ممكنة.
من المثير للالتفات قدر التناقض في مواقف البيت الأبيض من السياسات التركية، تعطي ضوءاً أخضر في لحظة، وتهدد في أخرى بفرض عقوبات اقتصادية.
تؤيد قوات «حفتر» علناً في وقت، وتلتقي وفداً لحكومة «السراج» في وقت آخر، داعية إلى وقف القتال في طرابلس. تشيد بالدور التركي في منع قتل المدنيين في إدلب دون التفات جدي إلى ما قد يحدث في ليبيا من حرب إقليمية مهلكة.
في مناورات أردوغان شيء من المقايضة المحتملة مع الكرملين. ففي حين يصعد في الأزمة الليبية، على عكس ما تطلبه موسكو، يطلب التهدئة في إدلب.

بالنظر إلى تعقيدات الأزمة الليبية وظلالها الممتدة في أزمات أخرى يصعب تسويغ حرمان سوريا من مقعدها في الجامعة العربية. بحسب تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم، فقد جرت حوارات عديدة بين أنقرة ودمشق لم تتوصل إلى نتائج ملموسة.
الانفتاح على سوريا ضرورة مواجهة، فضلاً عن أنه مسألة أمن قومي أمام الجموح التركي واحتمالات الانزلاق إلى حرب إقليمية في ليبيا.

&