& عبدالمحسن الداود&&

لاحظت أن بعضاً من هؤلاء الغيورين حينما يقومون بتفنيد المعلومات والأخبار المغلوطة تأخذهم الحماسة غير المنضبطة في الرد، فنبتعد عن الهدف الحقيقي في الرد الموضوعي، فتأتي الردود على شكل نفي دون إثبات..

في عالم الفضاء المفتوح، ومع انتشار التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها كافة، أصبحنا نتلقى يومياً مئات الرسائل والأخبار والمعلومات من كل مكان، فلا ضوابط ولا قواعد ولا رقابة ولا محاسبة على محتواها، حتى الأحداث البسيطة التي كانت لا تعني شيئاً سابقاً أصبح لها معنى إخباري، حتى ولو كانت غير دقيقة، أو تفتقد أبسط معايير التوثيق والتدقيق. فوسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على زيادة انتشار الأخبار المتناقضة وغير الدقيقة، فالنموذج الإخباري سابقاً كان يوجد به عدد قليل من المنافذ التي يعمل بها صحفيون مدربون يقومون بمقابلة مصادر موثوقة ومن ثم التحقق من المعلومات قبل نشرها، ولكن في البيئة الإعلامية الحالية المتطورة التي نشهدها في عالم اليوم، نجد أنه من السهل أن يتم تداول ونشر نظريات المؤامرة والشائعات عبر القنوات المتعددة، من خلال رسائل مستمرة، وأخبار متناقضة ومزيفة في بعض الأحيان دون إجراء أي تحقق من صحتها قبل نشرها.

فالممارسات غير الأخلاقية كثيرة في فضاء الإنترنت المفتوح، خاصة مع دورها في التجييش والتلاعب بالرأي العام واللعب على مشاعر المستخدمين، فوسائل التواصل الاجتماعي تتيح الوصول إلى أي شخص تقريبًا في العالم، وتسهل عملية التلاعب بالعقول وتضليلها. ويأتي بعض من يتلقون هذه المعلومات فيعمدون إلى نشر ما يتفق مع أفكارهم ومعتقداتهم فقط حتى لو كانت كاذبة، رغم معرفتهم بأنها تشكل تهديداًخطيراً على قيم النزاهة والصدق في صناعة الإعلام بصفة عامة.

وبحكم أهمية المملكة في الاقتصاد العالمي، فقد أصبحت من ضمن الدول المستهدفة بهذه الأخبار والمعلومات المختلقة، فتارة تأتي هذه الأخبار على شكل أحداث وقعت داخل المملكة، وتارة أخرى تأتي على شكل أخبار حدثت من سعوديين في الخارج، وفي أحيان أخرى نقرأ تقارير عن الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية أو حقوق الإنسان أو ما إليها من التعليقات الأخرى التي تستهدف المملكة مجتمعاً واقتصاداً وتحولاً مع إضافة خلفيات غير دقيقة عليها لإضفاء بعد الإثارة وتحقيق أهداف بعيدة عن الهدف الحقيقي من النشر.

وبعد تلقي هذه الأخبار ينبري الغيورون على هذا الوطن من أبنائه على وجه الخصوص بالدفاع عن المملكة وتكذيب هذه الأخبار والشائعات بكل الوسائل الممكنة. ولكنني لاحظت أن بعضاً من هؤلاء الغيورين حينما يقومون بتفنيد هذه المعلومات والأخبار المغلوطة تأخذهم الحماسة غير المنضبطة في الرد على هذه المعلومات أو التقارير، فنبتعد عن الهدف الحقيقي في الرد الموضوعي المبني على الحقائق والوقائع الدقيقة، فتأتي الردود على شكل نفي دون إثبات، ونفتقد إلى إيراد الحقائق المبنية على الإحصائيات الدقيقة من واقع مجتمع المملكة، وفي بعض الأحيان تأخذ الحماسة آخرين للتعريض بكاتب المعلومة أو الإشاعة بعبارات غير لائقة، أو بعيدة عن المنطق، مع معرفتنا أهدافه ومن يقف خلفه.

وحقيقة لا أدري لماذا لدينا حساسية مفرطة تجاه ما ينشر عن المملكة ومواطنيها في الصحافة الأجنبية أو وسائل التواصل الأخرى، وكأننا شعب منزه عن الأخطاء والتجاوزات. نحن مطالبون بتعلم كيفية مواجهة هذه الأخبار والمعلومات، فإذا أدركنا أنه لا يمكن التحكم في زيادة وسرعة انتشار الأخبار المغلوطة في عالم اليوم، فعلينا أن نتعلم القدرة على التكيف معها، وعدم تصديق كل ما يتم نشره وتداوله فيها، ومراجعة تلك المعلومات المغلوطة والتأكد من صحتها من خلال استخدام مواقع التحقق من صحة الخبر الموثوقة، وفحصه وتدقيقه، وتحليل تلك الأخبار بطريقة عقلانية وواعية بعيداً عن المشاعر العاطفية قبل الردود الانفعالية عليها، فمثلاً مقارنة المعلومات الواردة في المعلومة مع غيرها من المعلومات المتوفرة الأخرى، بما في ذلك تاريخ نشر الخبر أو التغريدة، أو توقيت نشرها، ومحاولة معرفة لماذا تم نشرها في هذا التوقيت بالذات، وهل هي مرتبطة بحدث معين له علاقة بالمملكة؟

نعم في كثير من الأخبار والمعلومات المنشورة يكون هناك استقصاد لأهداف محددة، ولكن ماذا عن الأخبار العادية..؟ هل نتوقع أن أبناءنا ملائكة لا يخطئون؟ طبعاً لا.. فلهذا ينبغي أن تكون ردود فعلنا تجاه هذه الأشياء مبنية على الحكمة والهدوء والتقصي، وأن تكون لدينا استراتيجية متكاملة لتفنيد هذه المعلومات المختلقة ممن يستهدف الإساءة إلى مجتمعنا وقيادتنا، أما الأخطاء والتجاوزات فهي طبيعية جداً وتحدث في أي مجتمع، خاصة أن مجتمعنا يمر في السنوات الأخيرة بتحولات جذرية كبرى في المجالات كافة، هدفها الانتقال به إلى مجتمع يعيش تنوعاً طبيعياً يتوافق مع طبيعة عالمنا المعاصر.