عمر علي البدوي

الرايات الصفراء التي حملها المتجمهرون حول السفارة الأميركية، إشارة رمزية لعميق ولائهم لمشروع طهران في العراق، وانسلاخاً من الساحات العراقية الأصيلة.

رايات الفوضى الإيرانية

وسط الهجوم الذي شنه أنصار وعناصر ميليشيا الحشد الشعبي على مبنى السفارة الأميركية في بغداد، كانت عبارات التهجم والهجاء تشنّ ضد السعودية والإمارات، وتتصاعد دعوات لاستكمال المشهد الفوضوي الذي يقترفونه بتوجه هذه الميليشيات الإيرانية في العراق لاستهداف السفارتين السعودية والإماراتية في بغداد.

هذا وجه جديد من وجوه تفسخ النفوذ الإيراني في البلدان العربية التي ساوره اليقين بالقبض النهائي على مصيرها، ولكن الأرض تزحزحت من تحت المرشد الإيراني الأعلى، وأخذت شعوب تلك البلدان في إعلان رفضها واستقلالها وعزمها على إخراج طهران وميليشياتها ووكلائها وأركان وجودها الاستيطاني البشع.

أكثر ما يثير نقمة طهران هو حضور عربي يزيد من غربتها وانعزالها، والرياض بحيويتها الجديدة هي التهديد الصريح لنفوذها الذي يواجه أكثر مراحلها تقلصاً هذه الأيام، ولم يكن غريباً أن تسمع من عناصر تلك الميليشيات المتجمهرة حول السفارة الإيرانية وعيداً وتهديداً أجوف لكلّ من السعودية والإمارات، لأنهما رأس مشروع عربي يتبلور الآن في وجه كل اللاعبين الإقليميين ممن استتبت له ظروف نفوذه المتوسع على هشيم البلدان العربية المنهكة، وقد آن لكل من طهران وأنقرة أن تتحملا تبعات هذا التوسع الذي يشق على طاقتهما ويفيض عن قدرتهما على الاستمرار .

إنه تجمع إيراني بامتياز، يتبنى نفس المفردات التي تضخها السردية الإيرانية في الفضاء الإقليمي، وتستهدف نفس الأعداء التقليديين في حسابات طهران، كما أن الرايات الصفراء التي حملها المتجمهرون حول السفارة، إشارة رمزية لعميق ولائهم لمشروع طهران في العراق، وانسلاخاً من الساحات العراقية الأصيلة التي بقيت تهتف منذ شهور للبحث عن وطن يلبّي حاجاتهم المحلية ولم تجد استجابة كافية .

اقتحام السفارات تقليد تاريخي لإيران، عرفت به منذ بسط سيطرة الملالي على الحكم في طهران، وهي ترد على رفض المجتمع الدولي لسلوكها بانتهاك الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية والاستخفاف بمصائر وأمن الطواقم المدنية وعوائل الموظفين دون اعتبار ولا حساب لصورتها والتزاماتها المخدوشة بالأساس، بل إن واحداً من قيادات هذه الميليشيات العراقية الموالية لإيران، استرجع سلسلة اقتحامات السفارات معتبراً إياها نصراً من الله وتأييداً لهم.

تقدم هذه المعركة الصوتية التي خاضتها ميليشيات الحشد في محيط السفارة الأميركية تنفيساً مفيداً عن شعارات المواجهة الملفقة التي تلجلج بها إيران ولا تلتزم بها، تغطي على عنترياتها وترمم ثقتها لدى جمهور مناصريها بهذه المعارك الكلامية العابرة، لأن المواجهة الحقيقية مكلفة، وطهران ليست مستعدة لخوض حرب فعلية يكون وقودها شعبها الناقم بالأساس على سلوك حكومته وخياراتها الخاطئة التي جرّت عليها نتائج وويلات قاصمة.

وإذا كان لا بد من المواجهة فلتكن على أرض العراق، بعيداً عن حدود إيران، وليكن وقودها جموع المستلبين والمنضوين تحت ألوية الميليشيات غير النظامية، وكلفتها على العراق وليس غيره، الملعب المفضل لعبث طهران وفيلقها وسليمانها.

كما أنها فرصة للالتفاف على ثورة شعب العراق الحقيقية، ومحاولة لإخماد صوت الشارع العراقي بالهجوم على السفارات واغتيال النشطاء وإغراق الشارع بأوهام المؤامرات الخارجية والقصص المحبوكة عن صفقة القرن، وتشتيت انتباه الناس عن وعود حكومة بغداد التي لم يتحقق منها شيء مع دخول العام الجديد، وتتفيه مظاهرات ثورة أكتوبر التي اندلعت لاسترداد حقوق الناس، واستحصال وعود الإصلاح الجادة.

حتى أبواب المنطقة الخضراء بقيت عصية على تلك الجموع النزيهة، وهي تحاول الوصول لترجيح كفتها، ولكنها فتحت بمصراعيها لجيوش المأتمرين بتوجيهات سليماني في العراق.