عبد المحسن ‬سلامة

حينما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسؤولية الحكم، منذ نحو خمس سنوات، وهو الرجل ذو الخلفية العسكرية كان يعلم أهمية وقيمة سيناء، وكيف كانت وما زالت هي الجزء الحي النابض في قلوب كل المصريين، وفى الوقت نفسه فهي مثار أطماع كل المستعمرين في العصور القديمة والحديثة، وكان آخرها الاحتلال الإسرائيلي الذي جثم على أنفاسها منذ حرب 1967 حتى بداية تحريرها في أكتوبر1973 ، واستكمال تحرير كل شبر فيها بالسلام في 19 مارس 1989، حينما تم رفع العلم المصري على طابا في ذلك اليوم التاريخي.

منذ ذلك اليوم ظل حلم دمج سيناء فى الوطن الأم يراوح مكانه، يتقدم قليلاً ثم يهدأ طويلاً، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأصبح الحلم حقيقة قولاً وفعلاً.

لم يعد دمج سيناء مع باقي الأراضي المصرية حلماً لكنه أصبح واقعاً، وربما أصبحت سيناء الآن أقرب من محافظات أخرى كثيرة داخل الخريطة المصرية، بعد أن تم افتتاح أربعة أنفاق دفعة واحدة وفي فترة لم تتجاوز الستة أشهر، وبعيداً عن المبالغة فقد كان من المستحيل عملياً أن يحدث هذا حتى في الأحلام أو الخيال، وربما كان التفكير أن تتم إضافة نفق جديد آخر إلى جوار نفق الشهيد أحمد حمدي، لكن أن يتطور الأمر ويتم افتتاح أربعة أنفاق، ويجري العمل في النفق الخامس فهو الأمر الذي يستحق التوقف أمامه لتقييم ما يحدث على أرض مصر من إنجازات عملاقة وغير مسبوقة في تاريخها، وإيجاد حلول نهائية لمشكلات مزمنة طال انتظار علاجها فترات طويلة من الزمان.

القصة ليست مجرد أنفاق، ولكنها أعمق من ذلك بكثير، وتتعلق بخطة التوسع في مساحة المعمور في مصر من 7% إلى 14%، والاستفادة من شبه جزيرة سيناء التي تبلغ مساحتها 60 ألف كيلو متر بنسبة 6% من إجمالي مساحة مصر في وقت لا يسكنها سوى 569 ألفاً و928 نسمة موزعين على شمال وجنوب سيناء، وذلك بسبب صعوبات الانتقال منها وإليها.

الآن أصبح الانتقال من سيناء وإليها متعة، وأعتقد أن الكثيرين ممن كانوا يستخدمون الطيران في تنقلاتهم إلى هناك سوف يعاودون التفكير في ذلك الأمر، بعد أن تغيرت الصورة تماماً، وأصبح الطريق البري بعد افتتاح الأنفاق والمحاور المرورية الجديدة أرخص وأسرع وأكثر متعة.

في الجولة التفقدية التي كنت ضمن الموجودين بها عبرنا الطريق من بورسعيد إلى سيناء أسفل نفق 3 يوليو الجديد، في مدة زمنية لم تستغرق سوى أقل من 20 دقيقة، واستغرقت رحلة العودة المدة الزمنية نفسها.

الأنفاق تم تنفيذها طبقاً لأحدث المواصفات العالمية، وبأيد مصرية خالصة من الشركات المدنية، وإشراف الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة.

متطلبات الأمن والسلامة على أعلى مستوى وشملت شبكات الإنذار والحريق، ومخارج الهروب والطوارئ، وهواتف الطوارئ، والمراقبة بالكاميرات، ولإحكام السيطرة على المداخل والمخارج تم إنشاء منطقتين أمنيتين- كما حدث في نفقي الإسماعيلية- تشملان استخدام أحدث تقنيات الكشف عن السيارات المحملة بالبضائع والمواد الخام من خلال نظام أشعة (XRAY) لتجنب عمليات التفتيش اليدوي، والتي كانت تستهلك وقتاً طويلاً وفي الوقت نفسه ضمان عدم تسرب أية مواد ذات خطورة على جسم الأنفاق.

بعد العودة إلى بورسعيد كان الموعد مع الحلم الثاني الذي ظهر إلى النور أيضاً يوم الثلاثاء الماضي، حينما ذهبنا إلى مستشفى النصر ببورسعيد ليتم إطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل والبدء بمحافظة بورسعيد كمحافظة استرشادية والانتهاء منها، ليبدأ العمل في ست محافظات جديدة هي: السويس والإسماعيلية وشمال وجنوب سيناء والأقصر وأسوان.

حلم التأمين الصحي الذي انطلق عام 1964 وعلى مدى 55 عاماً لم يتحقق، وظل يراوح مكانه بين أنظمة متعددة ومبعثرة وترتطم بعقبات التنفيذ وسوء الخدمة، الآن ظهر إلى الوجود، وتم تطبيقه عملياً على أرض بورسعيد، لتصبح هي المحافظة الأولى، التي يتم تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل فيها.

التأمين الصحي الشامل حلم شعب من دون مبالغة، لأنه يضمن تقديم الخدمة الصحية المتميزة لكل المواطنين على السواء، ولكل الأمراض، مع حرية اختيار المستشفى والطبيب، وفصل تقديم الخدمة عن إدارتها، مع استغلال لكل الإمكانات الطبية المتاحة من مستشفيات وصيدليات عامة وخاصة على السواء بشرط استيفاء المعايير الموضوعية بكل دقة.