هاني الظاهري

قبل نحو 13 سنة، وتحديداً في شهر يناير من عام 2007، تراجع ضابط أمريكي في اللحظة الأخيرة عن الضغط على زر إطلاق صاروخ باتجاه مركبة في شمال العراق كانت تقل قائد فيلق القدس الهالك قاسم سليماني.. تراجع الضابط المكلف بالعملية السرية عن إرسال سليماني إلى الجحيم حينها بأمر عاجل من قيادته، التي رأت أن إلغاء العملية من شأنه أن يجنب واشنطن توابعها السياسية، مقررة الاكتفاء بمراقبته فقط.

هذه المعلومة الخطيرة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مقال سابق لقائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية الجنرال ستانلي ماكريستال، الذي تولى مهمة مراقبة سليماني طوال سنوات.

والسؤال هنا ماذا لو نُفذت عملية تصفية سليماني عام 2007، هل ستكون حال منطقة الشرق الأوسط اليوم ذات الحال، خصوصاً وأنه مهندس مشروع الهلال الشيعي ومديره التنفيذي الذي عمل طوال السنوات الماضية على ابتلاع طهران للعراق وسوريا ولبنان واليمن؟ اليوم وبعد «خراب مالطا» تبدو الإجابة واضحة للجميع، ويتضح أن قرار تأجيل تصفية هذا الإرهابي الدولي كان أغبى قرار في تاريخ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على الإطلاق، بل إنه انعكس على صورة الولايات المتحدة التي فقدت سمعتها كـ«شرطي للعالم» طوال العقد الماضي، وجعلت منها الأحداث التالية أضحوكة وجداراً قصيراً قفزت عليه الكثير من التنظيمات والدول المتعطشة لمقدرات المنطقة.

بإنهاء المهمة المؤجلة منذ 13 سنة أخيراً يثبت الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي حمل منذ دخوله سباق الانتخابات الرئاسية في بلاده شعار:Make America Great Again، أنه جاد في إعادة الولايات المتحدة إلى دورها الحقيقي كـ«شرطي للعالم»، ويثبت كذلك أن الخط الأحمر لديه خط حقيقي تكتبه الصواريخ، ولا علاقة له بالخط الأحمر الوهمي الخاص بإدارة الرئيس الضعيف بارك أوباما، الذي أهينت واشنطن في عهده كما لم يحدث من قبل.

طوال العقد الماضي تغذت إيران وتورمت كما تغذت الأنظمة المارقة والتنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط على الضعف الأمريكي، ويبدو أنها مرحلة وصلت إلى نقطة النهاية باستفاقة الشرطي المريض من غيبوبته، وسيتأكد ذلك باستمرار عمليات قصقصة أجنحة نظام الملالي الأسود الذي لن يملك تجاه ما يحدث له إلا خيارين لا ثالث لهما، إما الانكفاء على نفسه وإلغاء كل مشاريعه التوسعية التي ستتحول آلياً إلى نار تحرقه حتى التفحم، أو الانتحار بعمل عسكري مجنون ينهي وجوده إلى الأبد، وكلا الخيارين في صالح الأمن العالمي.