أزراج عمر

الحكومة الجديدة لا تحوز مؤهلات الشرعية الشعبية والإجماع الوطني التي بموجبها تتمكن من تحقيق الانفراج السياسي وإحداث القطيعة مع تقاليد النظام الجزائري.

حلول لا تمس جوهر الأزمة

بات واضحا أن الهم الأساسي للحكومة الجزائرية “المعينة” مؤخرا من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون هو البحث عن الشرعية مهما كان الثمن، أما مساعي الوزير الأول عبدالعزيز جراد لإيجاد الحل للأزمة السياسية القائمة في المشهد السياسي الجزائري فسوف تصطدم باستمرار بالرفض الذي ما فتئ يعلنه قطاع واسع من الشعب الجزائري لهذه الحكومة.

هناك تعقيدات أخرى تضاف إلى أزمة غياب هذه الشرعية الشعبية وتتمثل في عدم تمكن الرئيس عبدالمجيد بتون، حتى الآن، من صياغة أسلوبه الخاص في إدارة الحكم بعيدا عن الهيمنة التقليدية للسلطات الأمنية والعسكرية على صنع القرار السياسي الحقيقي، ولاشك أن هذا العامل سيحول دون انطلاقه لتفعيل أي مبادرة لإجراء الحوار مع الحراك الشعبي قبل قبول المؤسسة العسكرية بذلك. علما أن مطالب الحراك المبدئية والمتمثلة في القضاء نهائيا على رموز النظام الحاكم بلا استثناء، وفي فتح المجال أولا للشروع في تغيير الدستور جذريا، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية لإفراز حكومة منتخبة من طرف الشعب تحلّ محلّ الحكومة الحالية لن تقبل كاملة من طرف النظام الحاكم الذي يسعي بكل الطرق أن يجدد نفسه.

وفي الحقيقة فإن حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون ووزيره الأول عبدالعزيز جراد لا تتوفر على مؤهلات الشرعية الشعبية والإجماع الوطني التي بموجبها تتمكن من تحقيق الانفراج السياسي وإحداث القطيعة مع تقاليد النظام الجزائري الذي يلجأ باستمرار إلى فرض الوزراء، ويقوم في الوقت نفسه بتسويغ شطحاته المتمثلة في إيهام الشعب الجزائري بالتغيير الذي أثبتت الأيام أنه مجرد سراب.

في هذا المناخ المحبط أظهر قطاع واسع من الجزائريين وعيا كاملا بحقائق الواقع، أي بما تفعله السلطة الحاكمة للحفاظ على جوهر السلطة، وفي هذا الخصوص يرى المراقبون السياسيون أن الحكومة الجديدة هي حكومة قصر الرئاسة بمرتفعات المرادية والثكنات العسكرية، وأن شعار “حكومة التغيير” الذي رفعه الوزير الأول عبدالعزيز جراد، قبل وبعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة، ليس سوى مجرد تكتيك لتجميد الحراك الشعبي، والإبقاء على البنية الثقافية والذهنية والمادية لنظام الحكم الفردي الذي أوصل الجزائر إلى الأفق المسدود ثقافيا واقتصاديا وتربويا وسياسات خارجية على حد سواء.

وفي الحقيقة فإن الرأي العام الوطني لم يعد يصدق السلطات الجزائرية التي برعت، منذ الاستقلال، في اختراع ثقافة التفريغ السيكولوجي المنهجي للمواطنين كلما تفجرت هذه الأزمة أو تلك. وقد كشفت التجارب أن مسلسل التفريغ قد لعب دورا محوريا في مراكمة المشكلات المزمنة الأمر الذي أدى مرارا إلى نتائج خطيرة كان الشعب الجزائري وقودا لها.

لاشك أن الحراك الشعبي قد اكتسب الخبرة بعد عشرة أشهر من الصراع مع السلطات وصار يدرك أن النظام الحاكم قد أفلس وليس له مشروع الدولة الديمقراطية العادلة، كما لا يملك التصورات العلمية والمخططات الدقيقة القادرة على ابتكار الرؤى التي تضمن تحقيق مشروع تفكيك خيوط الأزمة الجزائرية المركبة.

في هذا المناخ المعتم تبرز أمام الجزائريين تصريحات جراد التي يكتفي من خلالها بوصف مرجعيات الأزمة على أساس اختزالها اعتباطيا في “استرجاع الثقة في مجتمعنا، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية”، ولكن هذا النوع من الاختزال الشكلي لبنية الأزمة الجزائرية يغطي جوهرها الحقيقي المتمثل في جهل النظام الجزائري بآليات تشييد طور المجتمع الذي ينبغي أن يكون الإطار المرجعي للانطلاق في تشكيل دعائم طور الدولة العصرية ورأسمالها المادي والرمزي.

في هذا الخصوص يبدو أنه من المستحيل أن تنجح هذه الحكومة في إنجاز مشاريع التنمية الوطنية، وأن تبتكر عقلانية الحكم التي تضبط عمليات فصل السلطات والعلاقة الديمقراطية المفقودة حتى الآن بين المدني بالسياسي والعسكري. وهكذا صار شعار التغيير مجرد طوباويات خيالية إذا أخذنا بعين الاعتبار ضحالة الخبرة لدى أغلبية الوزراء المعينين، فضلا عن هشاشة برامجهم الشفوية والمرتجلة جراء عدم إسناد مهمة ابتكارها إلى أهل الاختصاص على مستوى النخبة المفكرة والمخابر الوطنية المسلّحة بالمعرفة العلمية للمشكلات التي تثقل كاهل المجتمع الجزائري.

وفي الواقع فإن الوزراء الجدد في الحكومة الحالية سوف يقضون الفترة القصيرة التي تفصل الشعب الجزائري عن الانتخابات التشريعية في إعادة إنتاج سياسات الترقيع النمطية والمعهودة نظرا إلى عدم توفر الشروط المالية والنفسية الكفيلة بتنفيذ البرامج، فضلا عن غياب شرط الشرعية الشعبية الذي يمثل القوة الرمزية التي هي شرط تفعيل الدافع الحيوي في العمل السياسي.

ومن الملاحظ أيضا هو أن هؤلاء الوزراء الجدد يفتقدون إلى الخبرة الميدانية وإلى التكوين الفكري والسياسي الأمر الذي لا يؤهلهم لإدارة شؤون الدولة الحديثة. أما الوزراء القدامى المرسكلون مجددا في حكومة عبدالعزيز جراد فلا يمكن أن يعوّل عليهم، لأنهم جزء عضوي من الأزمة الخانقة التي خلقتها ترسانة النظام الحاكم الذي لم ينجز أي تحوَل في التنمية الوطنية بكل مجالاتها.