زكي الصدير

مئة ألف ريال تصرف في الثانية على ملاكم أو مصارع أو مغن أو مغنية تشتم النساء السعوديات كفيلة بأن تضمن للأديب والمفكر سكنا محترما وسجائر نظيفة.

الترفيه نجح في عامين في تغيير واقع البلد

لا يزال المثقف السعودي يشعر بأنه يعيش على هامش مشهد التحول الوطني السعودي 2030، من حيث الالتفات له وتكريمه وإعطائه حقه الذي اعترفت له به مؤسسات وهيئات وجامعات خارج السعودية بينما أُهملَ، ولم يلتفت له أحد في الداخل، الأمر الذي جعل بعض المثقفين يعاتبون ويستجدون المؤسسات الثقافية والترفيهية التي يفترض أن يحاكمها ويسائلها وينتقدها بدل أن يستجديها التكريم والعناية.

أثار الروائي السعودي عبده خال الجدل برأيه الذي أشار فيه إلى القوى الثقافية التي تزخر بها المملكة وضرورة التفات هيئة الترفيه لها، حين قال “إن التفت معالي المستشار تركي آل الشيخ للفنانين والرياضيين كقوى ناعمة تكرم من قبل الدولة من خلال هيئة الترفيه، فثمة قوى ثقافية فاخرة تزخر بها بلدنا، ولم يلتفت إليها أحد. إن ما يحدث لهو قسمة ضيزى. العقل ميزان راجح للقوى”.

وتساءل البعض حول مدى علاقة الترفيه بالمثقفين، وأشاروا إلى أن المسؤول عن مثل هذا التكريم يجب أن تكون وزارة الثقافة دون غيرها، وطرح بعض المهتمين تساؤلا حول ذلك ليرد عليهم بصورة متهكمة الكاتب والشاعر محمد زايد الألمعي بالقول “مثل علاقة الترفيه بالرياضيين”، في إشارة منه إلى أن هيئة الترفيه كرّمت الرياضيين الذين كان يفترض أن يكرموا من الهيئة العامة للرياضة وليس الترفيه.

وفي الشأن نفسه أكد الكاتب محمد الدخيل على أن المثقف ليست وظيفة. فالمثقف عليه أن يكون مثل غيره؛ يعمل ويجد، ويضيف إلى ذلك اهتمامه بالإبداع.

وفي حين يرى الشاعر علي الدميني أن هذه المطالبة يجب أن توجه إلى وزير الثقافة لا لرئيس الترفيه أوضحت الشاعرة هدى الدغفق بأن الملوم هو وزارة الثقافة التي انشغلت بتعزيز دور المملكة وتحسين صورتها بالخارج، وقلصت من اهتمامها بالمواطن المفكر. كما أن الوزارة حصرت اهتماماتها في فئة قليلة من أهل الثقافة وجعلتهم واجهتها الفكرية والثقافية في كافة المحافل، واكتفت بتلك الرموز بينما غضت الطرف عن البقية الكثيرة.تقول الدغفق “قبل أيام، كنت وإخوتي نطالع مع أمي مشاهد تكريم اللاعب ياسر القحطاني وتساءلت كثيرا عن انعدام الاهتمام بالثقافة العامة والفكر إلى جانب كل هذا الزخم من الاهتمام بالفن والرياضة، ليس المطلوب التكريم وحسب، بل أكثر من ذلك”.

وتضيف “بدل مطالبة هيئة الترفيه، علينا أن نتوجه بمطالباتنا نحو وزارة الثقافة، لأنك حين تتوجه نحو هيئة لا تنظر إلى الثقافة والفكر بعين التقدير والاحترام فستتلقى التهكم والسخرية وقلة الاحترام؛ كما يبدو من بعض الردود على رأي عبده خال”.

من جانبه كتب الروائي سعيد الأحمد مخاطباً عبده خال، “المثقفون، على مدى عقود -يا صديقي- لم يقدموا للأجيال سوى التنظير الحزين والتشكي. الترفيه نجح في عامين في تغيير واقع البلد. أعتقد ذلك، بعد كل هذي الشيبات على صدغي”.

وتحت عنوان “سجائر عبده خال” كتب الكاتب السعودي المهتم بالفلسفة شايع الوقيان: “كتب الأديب الكبير عبده خال تغريدة موجهة لتركي آل الشيخ، طالب فيها معالي المستشار أن يلتفتَ إلى أهل الفكر والأدب كما التفت إلى أهل الرياضة والمغنى.

وأشار خال إلى أن المثقفين يتعرضون لقسمة ضيزى. وأنا أقف صفا لصف، وكتفا لكتف، وجيبا لجيب مع عبده خال. لقد أزرى بنا الدهر وأصبحنا عاجزين حتى عن شراء سجائر صحية أو أقل ضررا مما قامت به وزارة الصحة! إن مئة ألف ريال تصرف في الثانية على ملاكم أو مصارع أو مغن أو مغنية تشتم النساء السعوديات كفيلة بأن تضمن للأديب والمفكر سكنا محترما وسجائر نظيفة! اللهم حبب تركي آل الشيخ في المثقفين. آمين”.

وذهب بعض المتابعين بأن المثقفين السعوديين وعلى رأسهم عبده خال يستجدي التكريم من هيئة الترفيه، غير أن خال -وفي تنويه لاحق- أوضح قائلا “إني لستُ المقصود بالكلام ولكن لدينا قامات ثقافية عظيمة تكرم من قبل دول عربية ومن الأولى أن تكرم في بلادها”.

وفي وجهة نظر متباينة ومختلفة عن سياق المناقشات الدائرة رأى الكاتب عبدالرحمن حداد أنه من صالح الحركة الثقافية السعودية أن تكون بعيدة عن متناول السلطة، فالمثقف حر بصفته، على الأقل حتى يكون حياديا في قلمه، لذلك -والكلام ما يزال لحداد- إذا ما أغرقت السلطة المثقف بالتكريمات، سيتحول الكاتب إلى تابع، وسيفقد قدرته حتى على كتابة نص تجاه المسؤول، كل ذلك في سبيل أن يشمله التكريم.