علي قاسم

ما تحتاجه تونس هو حكومة قادرة على فرض سياساتها الداخلية والخارجية، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، التي تلبي مطالب جماهير أوصلتها إلى الحكم.

فشل خطة الغنوشي في تمرير حكومته

لماذا فضل زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، وهو على رأس الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية، عدم تكليف شخصية من داخل حركة النهضة لتشكيل الحكومة؟

بالتأكيد، لو أنه اختار هذا الحل، لم يكن ليعدم العثور على حلفاء، من أحزاب وكتل أخرى، يقوي بهم مركزه. ورغم علمه بذلك، اختار أن يلجأ للطريقة التي يستطيع من خلالها ممارسة الحكم من الباطن، بينما يترك للآخرين مهمة تلقي اللوم ومواجهة غضب الشارع.

لم تجر الرياح كما اشتهاها الشيخ راشد، ولم تنجح هذه المرة، رغم أنها أثبتت فعالية في مرات سابقة، وذلك لسببين، الأول: أن الحليف “المضمون” الذي أسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة، بالغ في إرضاء النهضة، واختار حكومة مشكوكا بولاء أعضائها وانتماءاتهم، رغم ما قيل عن استقلاليتهم. والأسوأ من ذلك أن شبهات الفساد تلاحق بعضا منهم.

السبب الثاني لفشل خطة الغنوشي، وهو الأكثر أهمية، أن التونسيين استفاقوا للعبة التي مررت عليهم في السابق، ووجدوا أنفسهم في كل مرة لا يدرون لمن يوجهون أصابع الاتهام، ويحملونه الفشل والشلل الذي أصاب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد، وذلك رغم الحديث، في الداخل والخارج، عن نجاح التجربة الديمقراطية التونسية، التي أصبحت نموذجا يطالب العالم دول الربيع العربي العمل على تطبيقه.

نجح الغنوشي في خطته مع المنصف المرزوقي، والباجي قائد السبسي، والحبيب الصيد، ويوسف الشاهد ومصطفى بن جعفر، ويقال إنه اتفق هذه المرة مع زعيم حزب قلب تونس، نبيل القروي، ليس من الباطن، وإنما من باطن الباطن، بعد أن كان قد اتهمه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بالفساد، مؤكدا أن النهضة لن تتحالف مع قلب تونس.

ما حدث تحت قبة البرلمان التونسي، الجمعة والسبت، يؤكد نجاح التجربة الديمقراطية، وفشل الأحزاب السياسية، وأن التونسيين باتوا اليوم يدركون أن تفتت المشهد السياسي، وتعدد الأحزاب، لا يفيد ديمقراطيتهم الوليدة بشيء، وأن البرلمان الموزع بين العشرات من الكتل، سيعيق عمل أي حكومة مستقبلية، ويعيق اتخاذ أي قرارات، ويصيبها بالشلل، ويؤمن للحكومة الجديدة مشجبا تعلق أخطاءها عليه.

لا جدال في أن تونس تحتاج إلى حكومة ديمقراطية، ولكنها تحتاج إضافة إلى ذلك لحكومة قوية، تمارس الحكم من خلال برلمان قوي، وتحتاج إلى حزب شجاع، يتحمل مسؤولية الحكم، ويحترم الديمقراطية التي أوصلته إليه؛ أي أن يحكم بطريقة تجمع بين الديمقراطية والدكتاتورية.

ما تحتاجه تونس هو حكومة قادرة على فرض سياساتها الداخلية والخارجية، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، التي تلبي مطالب الجماهير التي أوصلتها إلى الحكم.. حكومة لا تخشى أن تقول للفاسد إنه فاسد، وتتبنى قرارات لا تنحاز فيها لأي أطراف، سواء كانت خارجية أو داخلية، واضعة نصب عينيها مصلحة تونس والتونسيين.

على من يريد أن يحكم تونس، ألا يتخلى عن الدكتاتور القابع داخله، خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات الكبيرة.. الحزب ومن ورائه الشعب منحه التفويض ليحكم.. وهذا ما يجب أن يعمل.

في تونس كفاءات كبيرة مشهود لها عالميا، وهي كفاءات نزيهة، يمكن الاستفادة منها. لا حاجة بالحزب الفائز بالنصيب الأكبر من المقاعد في البرلمان، أن يختار أعضاء حكومته من داخل الحزب فقط.

الدرس الذي تعلمه التونسيون، ولن يحيدوا عنه بعد اليوم، هو أن الديمقراطية لا تعني حكم الضعفاء، والذين اختارهم الشعب ليحكموا، لم يخترهم ليحكموا بقبضة رخوة، بل بقبضة من فولاذ. هكذا فقط تنجح الديمقراطية.

الرهان على تونس ليس رهانا داخليا فقط، بل هو رهان الشعوب العربية، بعد أن سئمت توجيه الاتهام إليها بأنها شعوب لا تصلح معها الديمقراطية. وينتظر التونسيون من حكومة الرئيس المستقل، الذي اصطفوه عن الأحزاب ومنحوه أصواتهم، أن تحكم بقبضة من فولاذ، قبضة تجمع بين الديمقراطية وقوة القانون.