عبدالله بن بجاد العتيبي

التقريب بين السُنة والشيعة فكرة ليست حديثةً كلياً بل كان لها حضورٌ قديم في التاريخ الإسلامي وإن لم تكن بنفس الشكل والمضمون الذي انتشر في العصر الحديث ولكنها فكرة أو مسألة أو دعوةٌ تم الترويج لها على فترات مختلفة في العصر الحديث.
لهذه الفكرة رموز في الجانبين السُني والشيعي، ففي الجانب الشيعي كان عدة شخصيات منها آية الله الكاشاني وقبله جمال الدين الأفغاني عند من يعتبره شيعياً وعلى بن إبراهيم بن هاشم القمّي وغيرهم، وعند السُنة محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، وبعض مشايخ الأزهر كالشيخ شلتوت وغيره ولحقهم حسن البنا الذي توسع في هذا الأمر وعمل على إنجازه بشكل مؤسسي واستقبل القمّي في المركز العام للإخوان المسلمين ونوّاب صفوي كما التقى الكاشاني في حج عام 1948 قبل اغتياله بسنة. استغل البنا هذه دعوة التقريب لأجندة تنظيمية سياسية لعرض التحشيد والوصول إلى السلطة، وتوسيع نطاق النفوذ ليطال المسلمين الشيعة.
لحق البنا العديدُ من تلاميذه كسيد قطب وغيره وصولاً للإخواني المعروف يوسف القرضاوي في تيارٍ لم يزل حاضراً حتى اليوم، ويلاحظ أن من يدعون للتقارب أو التقريب يتخلى أغلبهم عن تلك الدعوة عند أي اختلافٍ ويعود لأصول مذهبه القديم مبتعداً عن شكليات التقريب.

مصطلح «التقريب» مصطلح خاطئ باعتباره يدعو كل طرفٍ إلى ترك معتقداته لأجل إرضاء الطرف الآخر وهذا أمرٌ شبه مستحيلٍ، فالناس لا يتركون عقائدهم لأجل أحدٍ أو جهةٍ مقابلةٍ، وكان الأجدى أن تتم الدعوة إلى التعايش أو الحوار مع بقاء كلٍ على مذهبه، وعموماً فهذا ما جرى في التاريخ البشري بأجمعه، فقد تعايش الناس فيما بينهم ولم يغير أحدٌ دينه أو مذهبه أو طائفته.
سبق لكاتب هذه السطور في هذه المساحة وغيرها إيضاح الكثير من العلاقات المتشابكة بين رموز وحركات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي على مستوى الأفكار والتنظيمات كما على مستوى الغايات والأهداف، وقد قامت ثورة الخميني في إيران 1979 على أساس هذا التلاقي بين حسن البنا والكاشاني وبين نوّاب صفوي وسيد قطب ومن تلاهما من التلاميذ والأتباع.
تعتقد جماعة «الإخوان» أن مشروع الخميني هو امتدادٌ لمشاريع الجماعة وأن سيطرته على الدولة هي لب مشروعهم الذي فشلوا في إقامته، ومن هنا يأتي التباين في مواقف هذه الجماعة من مشاريع التوسع الإيرانية بالنسبة لمواقف الدول والشعوب العربية، والتي يصفها البعض بأنها خيانةٌ للشعوب والدول العربية.

الحديث في هذا السياق هو حديثٌ يتوخى العلم والموضوعية أكثر من الأحداث السياسية الراهنة أو السابقة، بمعنى محاولة لفهم دعوةٍ واسعة الانتشار للتقريب أو التقارب بين مذهبين كريمين بينهما من الاختلاف ما لا يمكن جمعه علمياً وإنما كان الهدف من تلك الدعوة سياسياً منذ البدء يمهّد لجماعات الإسلام السياسي تغيير الدين والمذهب لتحقيق غرض الوصول للسلطة السياسية والذي هو الهدف المعلن لكل جماعات الإسلام السياسي منذ بدئها وإلى اليوم.
في السياسة كما هو معلوم لا وجود لصداقات دائمة أو عداوات دائمة، بل هي مصالح الدول والشعوب التي تلتقي وتفترق والخطأ الذي ينبغي التنبيه عليه أن يتم استغلال عقائد الناس الراسخة لتحقيق مكاسب سياسية متغيرة وبالتالي فمع تغير أهداف السياسة سيتم تغيير العقائد، وهو ما قد يوصل البعض للتشكيك في المذاهب والأديان من أصلها وهنا تكمن الخطورة.

أخيراً، فقد كانت أغلب مراحل التاريخ الإسلامي تشير إلى تعايشٍ عملي بين السُنة والشيعة ويخرق ذلك فتراتٍ من الصراعات التي تتحول إلى فتنٍ وحروبٍ أهلية أو عسكرية تسيل فيها الدماء ويقتل فيها الناس على عقائدهم وقناعاتهم كما كان في الصراع العثماني الصفوي في التاريخ القريب لا القديم.