فاطمة الصايغ

حينما قدمت دولة الإمارات تعازيها لسلطنة عمان بوفاة قائدها ورائد نهضتها السلطان قابوس بن سعيد، لم تكن تقدم تلك التعازي لسلطنة عمان وحدها، بل لدولة الإمارات التي فجعت هي الأخرى بفقدان قابوس.

تلك القامة العربية الإسلامية التي أعطت لوطنها كل حياتها، وكرست له جهدها، غادرنا تاركاً خلفه إرثاً خالداً وذكرى لن يغيبها الزمن، فقد حرص قابوس، مثلما فعل الرعيل الأول من قادة دول الخليج، على تمتين العلاقات الخليجية- الخليجية باعتبارها سنداً قوياً ليس فقط لدول الخليج، بل للأمتين العربية والإسلامية، كما حرص على وحدة الصف العربي وعلى رعاية مصالح الأمة الإسلامية.

كانت تجمع الأب المؤسس الشيخ زايد والراحل السلطان قابوس، طيب الله ثراهما، علاقات قوية، حيث تشاركا في الأهداف والرؤى، فقد عمل الاثنان بهمة كبيرة على تمتين العلاقات مع الجوار العربي والإقليمي، وتركا بصمتهما على صنع القرار في المنطقة لعقود طويلة، فلا يمكن أن يذكر تاريخ الخليج دون أن يذكر دور الزعيمين زايد وقابوس في العمل الوطني، وفي خدمة قضايا المنطقة، فقد كان لكليهما بصمة قوية على صنع القرار وعلى مجرى الأحداث التي حدثت في المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية.

العلاقات الإماراتية- العمانية كانت أنموذجاً متميزاً لتجذر العلاقات بين بلدان الخليج. وقد بدأت علاقات التعاون بين الإمارات وعمان منذ تأسيس دولة الإمارات، وقد استمر التعاون البناء بين البلدين نشطاً في كل المجالات، الأمر الذي سهل لمواطني الدولتين سهولة التنقل والعمل والاستثمار في كلا البلدين.

وكانت أحلام القادة المؤسسين المشتركة هي السبب في إعطاء دفعة قوية للعلاقات المتينة بين الدولتين، فكل من قابوس وزايد تشاركا في الكثير من الأحلام والأماني والأهداف؛ تشاركا في الحلم العربي، وفي الهم العربي حينما طالت الأمة العربية الأخطار والتحديات من كل جانب، كما تشاركا رحلة الـتأسيس والبناء الداخلي لدولتيهما وتشييد مؤسساتهما من الصفر، فكلاهما وضع نصب عينيه رخاء وسعادة مواطنيه وتوفير الأمن والاستقرار الاجتماعي لهم.

خليجياً كان قابوس عضيد زايد في رحلة تأسيس مجلس التعاون، فكلاهما كان يحدوه الأمل الكبير في تحقيق طموحات أبناء الخليج في وحدة، تضمهم وتحفظ لهم أوطانهم، وتحقق لهم طموحاتهم في وحدة خليجية يفتخر بها أبناء الخليج. وكان قابوس خير حليف لزايد في رحلة تأسيس مجلس التعاون.

لم يكن ما يجمع دولة الإمارات وعمان الجوار والتاريخ المشترك فقط، بل طموحات قادتها المؤسسين، فعمان والإمارات كان يجمعها حلم واحد، هو تحقيق النماء والتنمية الحقيقة لبلديهما، وتصرفت كلتا الدولتين كأشقاء وإخوة، يجمعهما مصير مشترك واحد: فما ينفع الإمارات ينفع عمان وما ينفع عمان ينفع الإمارات.

أحلام القادة المؤسسين هي السبب في أن تكون العلاقات الإماراتية- العمانية أنموذجاً متميزاً منذ التأسيس الحديث للدولتين. كان حب زايد لعمان كبيراً ونابعاً من القلب، فقد كان إدراكه بأن المصير الواحد ووحدة الدم والجوار والتاريخ المشترك والكثير من الأواصر الأخرى، تربط البلدين برباط وثيق لا يغيره الزمان، ولا تؤثر فيه العوامل الجيوسياسية، التي كانت تعصف بمنطقة الخليج.

اجتمعت في زايد وقابوس خصال وصفات مشتركة قادت إلى نشوء تلك العلاقة المتينة، التي جمعت بين الزعيمين، وكانت خير أساس لتلك العلاقات القوية التي جمعت البلدين.

فكلا الزعيمين كان لديه تلك الشخصية المؤثرة وتلك الكاريزما، التي وحدت حولها قلوب الناس أينما ذهبت وحيثما وجدت، وكلتا الشخصيتين تمتعت بالحكمة والاتزان المشهود لها دولياً، وكلتا الشخصيتين كانت تحمل في قلبها تلك الأهداف المشتركة وحب العمل الوطني والعربي.

صفات القادة وشخصياتها الحيوية وخصوصية الأهداف والأحلام المشتركة التي حملها الزعيمان هي السبب في تلك الشعبية الجارفة، التي حظي بها زايد وقابوس كونهما زعيمين عربيين وقائدين عالميين.

إن المنطقة خسرت بفقدان قابوس قائداً فذاً ذا سياسة حكيمة ومتزنة ومنهج سياسي واضح، سيّر السلطنة ورسم لها الطريق لخمسة عقود مضت. والأمل معقود على خليفته، جلالة السلطان الجديد هيثم بن طارق، الذي صرح بأنه سوف يسير على خطى السلطان قابوس وعلى سياسته نفسها.

الإمارات سوف تقف إلى جوار السلطنة في كل الظروف والأوقات، فعمان الثقافة والتاريخ تدرك أن الإمارات ليست فقط جاراً، بل شقيقاً ورفيق درب.