علي القحيص

لم يتفاجأ أحد بسلاسة وهدوء انتقال السلطة في سلطنة عُمان، ولا بهذه الشفافية والحكمة والحنكة التي تجلت في الانتقال، بعد حكم السلطان قابوس بن سعيد، رحمه الله تعالى، على مدى 50 عاماً. فمباشرة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بدأت عملية نقل السلطة تلقائياً، وبشكل منسجم ومتناغم ومتوائم مع توقعات ورغبات وآمال وتطلعات الشعب العماني الشقيق، الذي تلقى نقل السلطة بأريحية وعفوية تامة وباطمئنان كامل والتفاف سريع وقوي، رغم الحزن العميق على رحيل قائده الكبير. وما خفف على العمانيين مصاب رحيل سلطانهم الحكيم، هو الارتياح والاطمئنان إلى مستقبل بلدهم الجميل وأمنه وأمانه، والذي بنوه وطوروه بهدوء ودون ضجيج أو صراخ أو عويل، وهو البلد الذي يطل على بحار ثلاثة: بحر العرب، بحر عُمان، والخليج العربي.
كما تتمتع سلطنة عُمان بوضع سياسي واقتصادي قوي وراسخ، فاحتياطيها من النفط يحتل المرتبة الـ23 بين احتياطيات النفط على مستوى العالم، واحتياطيها من الغاز الطبيعي يحتل المرتبة الـ27، واقتصادها يحتل المرتبة 64 من بين أكبر اقتصادات العالم، وقد سجلت رقماً متقدماً في مؤشر الشفافية وانعدام الفساد.

وعُرفت سلطنة عمان بسياستها الخارجية المتزنة والمتوازنة وبرزانة نهجها الذي نأى بها عن التدخلات الخارجية، واستمر على ذلك بصبر وحكمة مفعمين بالذكاء والتأني والتؤدة، رغم الموقع الجغرافي الحيوي للسلطنة، بجوار الشواطئ والمنافذ والمعابر والممرات المائية البحرية التي طالما تلاطمتها أمواج الأزمات والحروب والتوترات والمناوشات على مدى العقود الماضية.
وقد بقيت سياسة سلطنة عُمان الحكيمة على مسافة ثابتة من كل الأطراف المتنازعة، بل كانت حاملة راية السلام الدائم والوسيط النزيه المحايد وغير المنحاز إلى أي من الأطراف المختلفة، رغم قربها من شرارة النار وحرب الناقلات النفطية المشتعلة بين حين وآخر.
لقد أصرت مسقط على أن تكون هذه الممرات المائية مفتوحة وآمنة بفضل حكمة السياسة العمانية وما لها من أرث تاريخي طويل وعريق، وما امتلكته من إلهام الحكمة والصبر الشجاع، وعدم الاستجابة للاستفزاز أو الانجرار وراء الأحداث الساخنة الملتهبة في المنطقة وعلى أكثر من جهة، منذ حرب الخليج الأولى والثانية، وليس انتهاء بالتوترات الحالية في الخليج. وذلك ما يحسب لهذا البلد الآمن المستقر، الذي راهن على صمود شعبه الأصيل وولائه لقيادته وإرادتها السياسية الحكيمة والراسخة التي أذهلت كثيراً من المراقبين والمتابعين للأحداث، إذ لم تتزحزح عن مواقفها قيد أنملة واحدة رغم كل الأزمات الدائرة حول منطقتنا.

ظل الجبل الأخضر ينتج الرمان الأحمر، وبقيت صلالة تستقبل السواح من أهل الخليج العربي، وصمدت نزوى بحصنها وآثارها وتاريخها وحضارتها.. وبقيت عمان ككل واقفةً شامخةً لا تنحني للعواصف رغم قوة الرياح التي ما فتئت تعصف بالمنطقة من حين لآخر، وعلى أكثر من جهة.