سالم حميد


حصل السودان على فرصة جديدة للتنمية والنهوض، في ظل قيادة نخبة متجانسة، لديها مصداقية واضحة في إنهاء النزاعات وعوائق التطور الاقتصادي، وتحظى بدعم وتأييد واسعين من المجتمع السوداني، ومباركة إقليمية ودولية غير مسبوقة. وهو أمر مطلوب، بعد أن أمضى النظام السابق ثلاثة عقود في إدارة حروب داخلية متفرقة وصناعة أزمات بعضها مقصود، كما دخل في صدام مع التوجه الدولي لمحاربة الإرهاب، مما وضع اسم السودان على لائحة العقوبات والقائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب. وكان الهدف الوحيد للنظام السوداني السابق من وراء تحركاته ومواقفه، التمكين لتوجه أيديولوجي إخواني، ثبت عدم صلاحيته السياسية وفشله في خدمة الشعوب، وهو توجه معزول عن واقع واحتياجات مجتمع السودان، وبعيد عن تطلعات شبابه نحو مستقبل مشرق وآمن، تتوفر فيه فرص العمل والعدالة والسلم الأهلي.

ثلاثة عقود سابقة من حكم «الإخوان»، أدت إلى تأجيل ولادة السودان الجديد، الذي لا بد لمستقبله وازدهاره أن يتحقق بعيداً عن أيديولوجيا الإسلام السياسي، وعن أجندة تيار معزول أدى انغلاق منهجه إلى فصل السودان إلى شمال وجنوب، وحرم بلد الخير والعجائب من إمكاناته، رغم ما يمتلكه من ثروات زراعية وحيوانية ومائية تشكل قاعدة خصبة للإنتاج الوفير.
ما سبق يتطلب من السودانيين التمسك بخيارات المستقبل الآمن، وعدم نسيان الحصاد المر للعقود الثلاثة الماضية، وما جلبته من فقر وأزمات اقتصادية متلاحقة، نتيجة للإدارة الفاشلة التي عطّلت موارد السودان، واستنزفت طاقاته وثرواته في حروب لم تتوقف، وأسست للفوضى والانقسامات الداخلية وانتشار الحركات المسلحة. كما تعرّض السودان خلال فترة حكم النظام السابق لقطيعة مع المجتمع الدولي، وتم فرض عقوبات كان المتضرر الوحيد منها المواطن السوداني نفسه. بينما كان النظام في آخر أيامه يراهن على تحالفات عشوائية وعلاقات مع قوى تحاول التمدد في المنطقة على حساب الأمن القومي العربي.

لذلك من المؤكد أن القادم سيكون أفضل مما سبق، خاصة مع تكثيف الحكومة السودانية لجهودها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وقد بدأ ذلك يثمر تجاوباً وتفاعلاً يؤتي ثماره دعماً ومساندة إقليميين ودوليين. وكل خطوة جديدة في اتجاه ترسيخ الاستقرار وإغلاق ملفات التمرد والصراعات السابقة، ستزيد من رصيد السودان في الخارج. ومن المنتظر أن يتم رفع كافة العوائق والقيود التي كانت مفروضة على الخرطوم، وبالذات بعد تحقيق تقدم في حل الملفات الداخلية وإنهاء الصراعات المسلحة، مما يهيئ الظروف ويزيل عوائق رفع اسم السودان من القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب، بعد أن أصبح الوصول إلى تحقيق هذا المطلب مسألة وقت.
وعلى المستوى الإقليمي، هناك توجه خليجي وعربي واسع لدعم السودان ومساندته في هذه المرحلة، وفي مقدمة الداعمين دولة الإمارات العربية المتحدة. وخاصة أن التحول الجديد في الحكومة المركزية بالخرطوم بحاجة إلى الدعم لتوفير موارد تكفل للعهد الجديد الوفاء بالتزاماته. فيما يتعين على النخبة السودانية أن تضع الماضي بكل عثراته في مساحة لا تعيق العمل من أجل الغد، بقدر ما توفر حصانة تضمن عدم العودة إلى ما يشبه الوضع السابق، الذي ظل يستهلك الشعارات غير المجدية، بينما كان جهد القائمين عليه يتركز على تمكين طرف أيديولوجي معزول، لا يعبّر عن السودان باتساعه والجغرافي الثقافي، ولا يجيد توظيف تنوعه الغني بالموارد التي لم يتم استثمارها بالشكل المناسب، وكانت تلك الموارد وما تزال قابلة لتوفير دخل يعود بالنفع على ميزانية الحكومة المركزية وأقاليم السودان ذات المساحة الكبيرة.

وبعد التحول الذي حدث مؤخراً في السودان، بتدشين مرحلة جديدة ذات توجه يركز على الاستقرار السياسي والسلم والتنمية، بدأت التحركات الجادة لإنهاء أسباب النزاعات المسلحة والحروب التي أعاقت الاستقرار في الماضي. وبناءً على المؤشرات الإيجابية التي ظهرت حتى الآن، يمكن القول إن المجتمع السوداني مقبل على مستقبل يبشر بالازدهار. ويكاد المتابع العربي يلمس الأصداء الإيجابية في الشارع السوداني، وخاصة مع قطع الطريق أمام بكائيات «الإخوان» ومحاولاتهم الفاشلة لتخريب فرحة السودانيين وإعادة عجلة الأحداث إلى الوراء.
أما مساندة دولة الإمارات للشعب السوداني فمستمرة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي كان على صلة طيبة مع السودان وأهله. كما وقفت قيادة الإمارات مع شعب السودان وخياره في التأسيس لمرحلة جديدة، لتحقيق الاستقرار والتنمية.