عبدالله الجسمي

منذ هزيمة يونيو 1967 التي نتج عنها تقهقر الحركة القومية العربية وبروز الإسلام السياسي تدريجياً، لم تكن مسألة انتشار الحركة الأصولية بشقيها مسألة سياسية فقط، بل أحدثت شرخاً في الشخصية والهوية العربية، نتج عنها ما نراه اليوم من أوضاع مؤسفة في العالم العربي.‍

لقد أسهمت تلك القوى في إضعاف عملية بناء الدولة المدنية العربية، لكونها دولة داخل دولة، وحرفت الولاء من الوطن إلى الطائفة وأنهت الانتماء للعروبة، وما نراه في العراق ولبنان واليمن خير شاهد على ذلك.‍

فمعظم الأحزاب الأصولية العراقية المشاركة في العملية السياسية تقدم الولاء لإيران على حساب عروبة العراق، كما تقوم الأحزاب الأخرى (السنية) بتقديم الولاء لتركيا وحزبها الحاكم على حساب عروبة دولها، وجرياً وراء وهم إعادة الخلافة العثمانية التي تعاملت بفوقية مع العرب وكانت سبباً في تخلفهم.‍


والمتتبع لبروز الظاهرة الأصولية سيجد أنها أسهمت في القضاء على العديد من طموحات الشعب العربي في التقدم والتحديث، وانحرفت باهتمامات الشارع إلى قضايا ليست قضاياه الفعلية عندما تبنت ووجهت الأنظار إلى أفغانستان وشرق آسيا وأفريقيا، ودفعت بالشباب العربي إلى هناك، ولم توجههم إلى فلسطين.‍

المطلوب إذن، إحياء فكرة العروبة والانتماء العربي بطريقة تتجاوز الممارسات السلبية التي نتجت عن الأنظمة التي رفعت شعار القومية العربية، وأن تأخذ العروبة بعداً إنسانياً لا عنصرياً، ويجدد مضمونها مع التطورات الحضارية والقيم الإنسانية العصرية ليصبح العرب أسياد قرارهم، ويوقفوا التدخلات الحالية في دولهم.