سالم حميد

مبادرة «المبرمج العالمي» التي أعلنتها الإمارات في «دافوس»، أكبر منتدى اقتصادي يحضره قادة العالم الأكثر تأثيراً، تجسِّد توجّه الدولة نحو الاستعداد للخمسين عاماً القادمة

توّجت دولة الإمارات حضورها المتميز لهذا العام في أعمال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، بإطلاق مبادرة كبرى جديرة بتأمل أبعادها ذات الأفق الدولي والإنساني الحضاري، وسوف يكون لها الأثر والانعكاس الحتمي على الكوادر المنتجة للابتكارات والمعرفة التكنولوجية الحديثة، وعلى نسبة تخريج كوادر شابة تسهم في التطوير المستقبلي لعالم البرمجة والابتكار، ومن ثم توفير مجالات جديدة للعمل ومكافحة الفقر والارتقاء بالمواهب الشابة والمبدعة التي تبحث عن الفرص غير المطروقة.
المبادرة التي تم الإعلان عنها في أكبر منتدى اقتصادي يحضره قادة العالم الأكثر تأثيراً، تجسِّد توجّه الإمارات نحو الاستعداد للخمسين عاماً القادمة، من أجل استشراف المستقبل بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية. وقد أطلقتها مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تحت عنوان مبادرة «المبرمج العالمي»، والتي تعد أكبر مشروع تدريبي يعمل على توفير منصة مجانية على الإنترنت لتدريب 5 ملايين شاب في المجتمعات الفقيرة على لغة البرمجة. فيما يأتي رفع سقف العدد المستهدف بالتدريب ضمن مشروع مبادرة «المبرمج العالمي» إلى خمسة ملايين، بهدف تحقيق أعلى رقم من الشباب المتوقع أن يستفيدوا من المبادرة.
وتزامناً مع هذا الحدث، جاءت تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التي أوضح سموه في متنها هدف المبادرة، والمتمثل في توفير «أكبر مشروع عالمي لتعليم البرمجة يستهدف 5 ملايين شاب في 50 دولة حول العالم». وأضاف سموه أن «تمكين المجتمعات ومكافحة الفقر يبدأ بالتعليم. وتعليم المستقبل، ومستقبل الفرص في تعلم لغة البرمجة.. دولة الإمارات لها رسالة أمل عالمية مستمرة».
ويأتي اختيار محور تعليم لغة البرمجة موضوعاً للمبادرة التدريبية الكبرى، من منطلق إدراك الإمارات لما لهذا المجال من أهمية حيوية في المستقبل، بالنظر إلى أن البرمجة أصبحت جزءاً لا غنى عنه في البنية التحتية المعلوماتية لأي مشروع استثماري في القطاعات الصناعية والاقتصادية المختلفة.

دلالاتُ عالمية المشروع واستهدافُه لمتدربين من 50 دولة، تؤكد أن الإمارات حريصة على تعميم الخير ونشر المعرفة على المستوى الدولي، بالتركيز على المجتمعات التي تعاني من ندرة الفرص وارتفاع معدل البطالة وزيادة الفقر.
كما أن استهداف مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية من خلال هذا المشروع التدريبي العملاق لشريحة الشباب، يدل على حرص دولة الإمارات على تنمية واستقطاب طاقات المستقبل وتأهيل أجيال الغد بسلاح المعرفة، وحماية هذه الفئة من الوقوع في براثن الفقر والعنف والتطرف والسلبية الاجتماعية.
وفي هذا السياق لم تأت مبادرة «المبرمج العالمي» من فراغ، وخاصة عندما ننظر إلى المراكز التي حققتها الإمارات في مؤشرات تنافسية عديدة، منها مؤشر تنافسية المواهب العالمي الذي يصنف الإمارات في المركز الأول إقليمياً، وفي المركز الثالث عالمياً في محور استقطاب المواهب من خارج الدولة.

المبادرة الإماراتية الجديدة يمكن وصفها أيضاً بالاستثنائية، نظراً لتميز محورها التدريبي، وتجاوزها للأفكار التقليدية لمعالجة الفقر. لأن الفقر خلال السنوات المقبلة سيشهد إعادة تعريف من زاويا أخرى لا تتصل بالفاقة والحاجة للغذاء فقط، بل بمدى الفقر إلى المعرفة والعجز عن مواكبة التطورات العلمية والابتكارات في عالم المعلومات والثورة الرقمية. ومن خلال منح المتدربين الذين سوف ينخرطون في مشروع «المبرمج العالمي» شهادات معتمدة، فإنهم يحصلون عملياً على فرصة للدخول في سوق العمل من بوابة التكنولوجيا والبرمجة، التي أصبحت مطلوبة في كافة القطاعات. كما أن الحاجة إلى هذا التخصص تزداد في كل عام.

وبذلك تطرح هذه المبادرة رؤية وآلية أخرى للمساهمة في مكافحة الفقر في أوساط الشباب، على مستوى الدول التي توصف بالأقل حظاً. وكان اختيار جلسة «إعادة تصور أكبر التحديات في العالم» في منتدى دافوس للإعلان عن هذه المبادرة مناسباً. ولا شك أن التحديات التي تواجه العالم خلال السنوات القادمة، تشهد تحولاً يتطلب المواكبة في التخطيط وفي المبادرات. وتثبت ظروف العديد من المجتمعات ذات الكثافة السكانية والموارد القليلة، أن ندرة الموارد أو شُحَّها، ليس أبرز عوامل الفقر وغياب تنمية الفرد، بل إن الغائب هو الخيال الإبداعي والتصورات الطموحة لقهر المستحيل، وهذا ما تجيده الإمارات وتبادر بتجسيده على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.