عبدالله بن بخيت

كلمة المثقف من أكثر الكلمات ذيوعاً وغموضاً. تساهل معها الناس حتى صارت تطلق على كل من سطر له مقالين في جريدة أو قصتين أو حشر نفسه يوماً في الملاحق الثقافية.

إذا أردنا أن نعلو بقيمة الكلمة علينا أن نقرنها بالوعي لكي تتحول من زخرفة لفظية إلى مسؤولية. عندما نتأمل فيما نبحث عنه في سعينا الحديث الذي ولد هذه الكلمة سنجد أن سعينا الحقيقي هو ضمان حقوق الإنسان كإنسان. تركت لنا بعض عصور التاريخ كثيراً من المسؤوليات والأعباء. تسلط الإنسان الأقوى على الإنسان الأضعف، تفاوت طبقي مريع، أمم تسحق أمماً وتستعبدها وبشر يساقون كالبهائم. في مواجهة هذا الميراث نشأت في عصرنا تحديات عظيمة يجب أن يضطلع بها كل إنسان شريف مدرك لمعنى الكرامة الإنسانية.

كل من وعى هذا يصبح واعياً. سواء كان مديراً أو كاتباً أو ضابطاً أو خبازاً. يصبح كذلك لأنه ارتقى باهتماماته فوق مستوى معاشه اليومي أو مصالحة الشخصية الضيقة. سينشغل بهموم الآخرين من منظور أوسع. الإنسان الواعي سوف يلزمه ضميره بمتابعة كل ما يجري في العالم عندئذ سيضع قلمه أو وظيفته أو ماله أو صوته أو تعاطفه في خدمة الإنسان.

من البدهي أن الكاتب هو أظهر هؤلاء بحكم طبيعة عمله المتصلة مباشرة بالجماهير وطبيعة عمله المتصلة بالفكر والفن والإعلام. سيكون أكثر أطياف المجتمع الواعي حضوراً وصلة بجميع شركائه في الوعي.

لكن ليس بمجرد أن يكون الإنسان كاتباً يكون واعياً. الكتابة مهنة ككل المهن. يمتهنها كل من يريد أن يمتهنها. بقليل من التدرب (بالدكتوراه أو بالابتدائية) يستطيع أي إنسان أن يصبح كاتباً. شرط الكتابة لكي نسمي ممتهنها كاتباً (قبل أن نسميه واعياً ومثقفاً) الالتزام والانضباط في المهنة والإنتاج المستمر. الكاتب كائن منتج يجب أن يكون متواصل الإنتاج. مثله مثل أي صاحب مهنة أخرى. لا يمكن أن أطلق على امرؤ لقب لاعب وهو يلعب مرة في السنة أو لعب مرة أو مرتين قبل ثلاثين سنة. عندما يتواصل إنتاجه ويترسخ ككاتب عندئذ يستحق أن نطرح حوله السؤال: هل هذا الكاتب واعٍ أم مصمت؟ من خلال كتاباته يختبر القارئ ذهنيته.

إذا قرنا الوعي بالثقافة نستطيع أن نقول إن هذا الكاتب وهذا التاجر وهذا الضابط وهذا المدير مثقف، كلمة مثقف لا تصف أي مشهور أو كل من كتب قصتين أو مقالين.

الثقافة هي مسؤولية والمسؤولية هي وعي بحقوق الإنسان وبكرامته وبقيمه العليا، المثقف هو الذي يجعل من نفسه نموذجاً لصيانة كرامة الإنسان بصيانة كرامته أولاً.