فاتح عبدالسلام

تزامنت حملة السلطات الأمنية العراقية في فض الاعتصامات مع إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عقب تظاهرة تياره «المليونية»، بأنه لن يتدخل لاحقاً في انتفاضة العراقيين سلباً أو إيجاباً وسط انسحاب واضح لأنصاره من الساحات، في رد فعل قوي ومفاجئ منه بعد أن مرّت «مليونيته» من دون أثر سياسي فاعل في الشارع العراقي الذي انقسم إزاءها، كما لم تكترث الولايات المتحدة بتلك التظاهرة التي خرجت تحمل شعارات لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق.


وكشفت التظاهرة عن ضعف السيطرة القيادية التقليدية لزعيم التيار الأكبر في بغداد على أتباعه الذين خالفوا شعارات الأجندة المرسومة والمدعومة من الفصائل الموالية لإيران والمكرسة ضد الأمريكان، حين هتفوا بضد الوجود الإيراني كما الوجود الأمريكي.

وهذا حرج كبير للصدر الذي يدير كل شيء من مقر إقامته في قم الإيرانية منذ أكثر من 3 أشهر.

إن احتجاجات العراقيين خرجت عن نطاق التقنين والتخطيط السياسي الخفي، ولا يمكن أن تعيدها السلطات بالقوة إلى ذلك النطاق السابق، فلقد تحوّلت إلى حراك شعبي منظم، بات يفرز مفاصله القيادية التنظيمية من أوساط الشباب بوضوح من دون تسابق نحو زعامة الشارع كما اعتادت الأحزاب أن تفعل، فاستخدام القوة المفرطة سيقود إلى طريق مسدود ونهائي يتقاطع مع طموحات العراقيين في التغيير ويكرس حالة سلطوية باتت مرفوضة، لا سيما بعد أن قدمت مرجعية النجف الدعم المعنوي للمتظاهرين ووقفت مع دعواتهم للتغيير ولم تنتقص من حق الدماء التي سالت جراء العنف المسلح.

إنّ استمرار الاحتجاجات من دون أفق زمني لتحقيق المطالب في قيام حكومة مستقلة عن هيمنة الأحزاب وتمهد لانتخابات مبكرة بإشراف دولي، سيقود إلى يأس تدريجي في الشارع، ليس إزاء قوة المطاولة والاستمرار، وإنما إزاء جدوى الاستمرار بالنهج العادي في الاحتجاج، وعدم الانتقال إلى العصيان المدني الكامل، الذي جرى تجريب نماذج صغيرة ومتناثرة منه فكان لها الأثر الكبير على مفاصل الدولة.

لقد ولّى زمن الدعوات إلى مليونيات مسيّسة وأحادية الجانب والاتجاه، بسبب انفراط عقد عدد من المواضعات السياسية المعبأة بأثواب الدين، والمصالح الحزبية والشخصية.

ولقد جاء زمن التأثير من الحلقات الدنيا في المجتمع التي يبدو أنها شرعت بالتشكّل بطريقة صحيحة، تصب في مصلحة البلد، وتحت رؤى وحدودية، لا تظهر فيها انقسامات عانى منها العراقيون منذ 17 سنة.