توفيق السيف

أكتبُ هذه السطورَ بعدما قرأت لمن يقدمون أنفسهم كمدافعين عن الإسلام، كتابات فحواها أن «وباء كورونا» الذي ضربَ الصين، عقاب من الله لحكومتها التي عزلت وحاصرت مليونَ مسلم من شعب الإيغور. إنَّني لا أتحدث عن أفراد مجهولين، بل عن عشرات من المشايخ والناشطين المؤثرين، الذين يجزمون أن ذلك البلاء عقاب رباني، ولا علاقة له بالنظام الطبيعي.

يذكرني هذا بجدل حاد جداً شهدته بلادنا نهاية 2004. حين قال عدة خطباء إن زلزال تسونامي الذي أصاب إندونيسيا غداة عيد الميلاد، كان عقاباً ربانياً للفاسدين الذين كانوا يرقصون ويسكرون على الشواطئ. ونعلم أن هذا غير معقول، فقد أودتِ الكارثة بنحو 230 ألفاً غالبيتهم من الفقراء المشغولين في أعمالهم، والأطفال وأمهاتهم الذين كانوا في بيوتهم في الأرياف البعيدة عن الشاطئ.
بالعودة للوباء الصيني، فإن السؤال الذي يواجه العقلاء هو: كيف يعاقب الله أناساً عاديين بالمرض والموت، لا لذنب لهم سوى انتمائهم لبلد، قامت حكومته بأفعال سيئة. هل هذا من العدل؟ ألا يناقض هذا قول الله سبحانه «ولا تزر وازرة وزر أخرى»؟
دعنا نضرب مثالاً يوضح النهايات المنطقية لهذا النوع من التفكير الخرافي: في القرن 19 قتل الجيش الفرنسي آلاف المسلمين في شمال أفريقيا. وفقاً للرؤية السابقة، فإنَّ الشعب الفرنسي يستحق أن يسلطَ الله عليه كارثة تفني مئات الآلاف منه. دعنا نفترض أنَّ رجلاً قرر تنفيذ هذه الرؤية فعمل على إبادة الفرنسيين بأي طريقة، قنبلة ذرية مثلاً. عمله هذا يعتبر وفق الرؤية ذاتها قياماً بالعدل واستجابة لما أراد الله. وهذا المثال بعينه قابل للتطبيق على الشعب الإسباني والبرتغالي والإيطالي والبريطاني والألماني والروسي والصيني والهندي، وكل شعب آخر نكَّلت حكومته بالمسلمين في الحاضر أو الماضي!

أظن أنَّ هذا المثال قد أوضح بدقة، كيف يمكن لفكرة ساذجة تنقل النصوص من دون تبصر، أن تنتجَ مولوداً مثل «داعش» التي أرادت أن تكونَ «سيف الله» على العصاة من عباده.
هذا المنطق الخرافي يضعنا أمام مفارقة عسيرة، في تفسير قيمة العدل ولا سيما العدل الإلهي. دعنا نأخذ مثال إعصار «بولا» الذي ضرب سواحل باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليا) في 1970 فقتل نصف مليون وشرَّد ملايين، جميعهم من المسلمين الفقراء، وتسبب في فتن مهولة، انتهت بتفكك باكستان وقيام دولة بنغلاديش، بعد حرب طاحنة قتل فيها 40 ألفا من المسلمين وحدهم. فمن هو المذنب الذي أراد الله عقابه هنا، وأين تحقق مفهوم العدل في تلك الكارثة؟

وأختم بذكر أسوأ كارثة سجلها التاريخ البشري، وهي وباء الإنفلونزا الذي ضرب العالم كله شرقاً وغرباً، بين عامي 1918 و1919 وتوفي بسببه 100 مليون شخص، بينهم 16 مليوناً في الهند و650 ألفاً في الولايات المتحدة، فضلاً عن عشرات الآلاف في المدن الساحلية الواقعة على خطوط الملاحة بين آسيا وأوروبا، وما يتصل بها من أرياف. وتسبب الوباء في تعطيل معظم خطوط الملاحة، في وقت كانت السفن وسيلة وحيدة للتواصل بين قارات العالم. فمن الذي استحق العقاب هنا، وما هو سبب العقاب؟
يجب أنْ نقول دون أي تردد، إن تطبيق مقولة العقاب الإلهي على مثل هذه الحوادث، تفسير خرافي لا يقبله عاقل. وهو ضد العلم وضد العدل، ولا يصح نسبته إلى الربّ الرحيم جلَّ وعلا.