عبدالجليل معالي

كاتب صحفي تونسي. حاصل على شهادة الأستاذية في التاريخ. صحفي في جريدة العرب الدولية منذ أكتوبر 2012. له كتابات في مجلة الهلال، وجريدة الأهرام، ونشرية مقاليد، فضلاً عن كتابات في صحف تونسية عدة.

التنديد الفرنسي الأخير، بما تقترفه السياسة التركية في ليبيا، لم يقدّم جديداً مقارنة بما تصدح به الأصوات الليبية والعربية، لكنه كان شاهداً دولياً مهماً على ما يمكن أن ينتجه التدخل «الأردوغاني» نصرة لحليف أيديولوجي.

رفع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من نبرة تنديده بالسياسة التركية في ليبيا، قائلاً:«شاهدنا في الأيام الأخيرة وصول سفن حربية تركية برفقة مرتزقة سوريين إلى الأراضي الليبية.. هذا انتهاك واضح وخطر لما تم الاتفاق عليه في برلين»، في حين نددت الخارجية التركية بالموقف الفرنسي القائم على معاينة ميدانية، بالقول: «إذا كانت فرنسا ترغب في الإسهام في تنفيذ قرارات مؤتمر برلين، فإنه يتعين عليها وقف دعمها لحفتر».

لقد تسلل أردوغان من الثغرة القائمة بين مشروعين؛ مشروع الدولة ومشروع الميليشيات، إذ جرب الليبيون منذ سقوط نظام معمر القذافي كل آثام سطوة الميليشيات الملتحفة بغطاء ديني، ولم تتحرك تركيا ولو تنديداً بتلك الميليشيات، وعندما أعلن المشير خليفة حفتر في الرابع من أبريل الماضي، انطلاق معركة استرجاع طرابلس من الميليشيات، تحركت «الحميّة» العقائدية عند أردوغان فقرر الانتصار لحليفه الإخواني.

اختارَ أردوغان الانتصار للميليشيات، بدل الاصطفاف مع الدولة، أو اختيار الحياد الإيجابي الذي يمكن أن يقوم على رفض التصعيد والبحث عن حلول سياسية للأزمة. على أن الدليل المضاف إلى خطورة التصعيد التركي في بلد تفصله عنه بحار ومسافات، هو أنه أضفى على التدخل مبررات تاريخية ودينية، ودجج أساطيله بحجج أيديولوجية دأب على استعمالها. يمكن تلمس هذه الإحالات التاريخية الخطرة من خلال التصريحات، ومن خلال ما يقع على الميادين.

ففي حديثه عن الخطوات التي تعتزم تركيا اتخاذها في البحر المتوسط وليبيا، قال أردوغان: «ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط، ونأمل في أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها خيرالدين بربروس».

تحدثت وسائل الإعلام الليبية بعد ذلك، عن الإنزال الذي نفذته تركيا ليل الأربعاء الماضي، وأشارت إلى ظهور البارجة التركية «بربروس» قبالة شواطئ طرابلس.

لقد داس أردوغان على القوانين وعلى التعهدات الدولية، وقفز على الحدود والسيادات، لكنه تشبث بالتاريخ والانتماء للجماعة المقيمة في إسطنبول، فكان وفياً لتاريخ القراصنة الأتراك، أكثر من التزامه بما تقتضيه العلاقات السوية بين الدول الحديثة.. أردوغان الذي يذعنُ (على مضض) للمؤسسات في بلاده لا يعترف بها خارجها، ولعل في عبثه السوري وامتطائه للأزمة في ليبيا قرائن لا تقبل الدحض.