عبدالله محمد الشيبة

تجري هذه الأيام إجراءات محاكمة رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، في مجلس «الشيوخ» وهو الرئيس الأميركي الثالث الذي يخضع لتلك الإجراءات، وقد سبقه رئيسان هما أندرو جاكسون (1868) وبيل كلينتون (1998). والولايات المتحدة الأميركية ليست الدولة الوحيدة في العالم التي يحوي دستورها مواد وإجراءات لعزل أي مسؤول حكومي، بمن فيهم رئيس الدولة. والبلدان التي تسمح بتنفيذ إجراءات عزل رئيسها، في حال ثبوت تُهم تتضمن الخيانة أو الرشوة أو جرائم أخرى، تضم 30 بلداً بجانب الولايات المتحدة الأميركية هي: النمسا، البرازيل، بلغاريا، كرواتيا، جمهورية التشيك، فرنسا، ألمانيا، هونج كونج، المجر، أيسلندا، الهند، إيران، ايرلندا، إيطاليا، ليشتنشتين، ليتوانيا، النرويج، باكستان، الفلبين، بيرو، بولندا، رومانيا، روسيا، سنغافورة، كوريا الجنوبية، تايوان، تركيا، أوكرانيا والمملكة المتحدة. ولقد تم عزل رئيسي البرازيل وكوريا الجنوبية بالفعل عام 2016، بناء على الإجراءات الدستورية المطبقة في هاتين الدولتين.

ويتضمن الدستور الأميركي، الموقع عام 1787 من قبل 13 ولاية استقلت عن الاحتلال البريطاني وقتها، في مادته الأولى، وتحديداً في الفقرة الثانية – البند الخامس، شرحاً لإجراءات عزل الرئيس الأميركي، والتي تتضمن مرحلتين: الأولى مناط بها مجلس النواب، ولابد من خلالها إثبات تهمة إجراءات العزل، ثم تنتقل الإجراءات في المرحلة الثانية لمجلس الشيوخ والمناط به تنفيذ إجراءات محاكمة الرئيس، وهو الذي حدث مؤخراً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولكن ذلك لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال، ضمان أو تأكيد عزل الرئيس، بل هي إجراءات تسبق التصويت على العزل في حال ثبوت التهمة في المجلسين، الأمر الذي يصعب حدوثه حالياً، نظراً لسيطرة الحزب «الجمهوري» على مجلس الشيوخ، مما يدفعنا للتفكير في احتمالات نتائج إجراءات عزل الرئيس الأميركي، وهي برأيي محصورة في 4 سيناريوهات رئيسية.

السيناريو الأول سيتحقق في حال قام مجلس الشيوخ بتبرئة «ترامب» وبقائه في السلطة إلى موعد الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر هذا العام، وهو المتوقع حدوثه، نظراً لقيام ذلك المجلس بالفعل، يوم الجمعة الماضي، بالتصويت ضد استدعاء شهود للإدلاء بإفاداتهم في التهمتين، مما يمهد الطريق لتبرئة الرئيس الأميركي. ويتضمن السيناريو الثاني، موافقة مجلس الشيوخ على تهمتي عزل الرئيس الأميركي، ولكن مع التصويت على عدم عزله، مما يعني أيضاً استمراره في السلطة. أما السيناريو الثالث، فسيتحقق في حال لم يستطع مجلس «الشيوخ» بزعامة الحزب «الجمهوري» الاستمرار في الوقوف بجانب الرئيس الأميركي والتصويت بثبوت تهمتي العزل والموافقة على إزاحة ترامب وتولية نائبه، مايك بنس، زمام السلطة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو أمر بعيد الحدوث، بناءً على التطورات الأخيرة. ويتضمن السيناريو الرابع، استقالة الرئيس الأميركي ترامب عند تيقنه من فشل مجلس الشيوخ في وقف إجراءات عزله أو عند تراجع التأييد الشعبي له، نتيجة استطلاعات الرأي المتخصصة، وهو أيضاً بعيد الحدوث، بناءً على شخصية «ترامب».
وبالنظر لتلك السيناريوهات، فإن الأرجح حدوثه هو تصويت مجلس «الشيوخ» ضد عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإتاحة الفرصة للشعب الأميركي ليقرر ما إذا كان سيوافق على توليه فترة رئاسية ثانية، خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، أم يقف بجانب المرشح «الديمقراطي». وهذا يعني أن الداخل الأميركي سيشهد انقساماً حاداً في اتجاهات الناخبين وتركيزاً أكبر من «ترامب» على إصلاح صورته الداخلية، نتيجة آثار إجراءات عزله، ثم حدوث أحد أمرين، نتيجة الانتخابات الرئاسية. الأول إعادة انتخاب ترامب، مما يعني استمراراً لسياساته غير المتوقعة وتأثيرها على الداخل والخارج الأميركي، والأمر الثاني حدوث تغييرات شبه جذرية في السياسات الأميركية في حال تولي رئيس «ديمقراطي» سدة الرئاسة الأميركية، وبالتالي فالتساؤل هنا هو: هل الدول العربية مستعدة لأي من هذين الأمرين؟