عبدالله بن بخيت

إذا أردنا السلام لا يكفي أن نتحدث عن السلام ونرفع شعارات السلام ونطالب الآخرين الاستماع لمبادرات السلام. في عالم الصراعات لا يتلفت أحد لهذه الخطابات الناعمة المدوية في الفضاء إذا لم يسبقها خطاب سلام على الأرض. يلتقي البشر وجهاً لوجه. نشوء اتصال إخلاقي تدركه الفطرة الإنسانية. السلام لا يقوم على المواقف المسبقة الجامدة والملوثة بقضايا أخرى. لكل قضية فضاؤها الخاص. إذا اختلطت القضايا بمادة إيديولوجية تفقد كل قضية جوهر حقيقتها. تتمثل في صورة تنافس فيما بينها.

حق اليهود في العيش بسلام لا يختلف عن حق المسلمين والهندوس العيش بسلام أيضاً، بيد أن التناحر بين فئة من الهندوس مع فئة من المسلمين لا ينفي الحق في العيش بسلام لكلا الطرفين. صراع القضية الفلسطينية الذي يدور بين مسلمين ويهود لا ينفي حق الطرفين في السلام والعدل، كثير منا لا يعلم أن ما جرى للفلسطينيين في فلسطين ليس نتيجة لما جرى لليهود في ألمانيا، المستعمر البريطاني لم يقدم فلسطين لليهود كهدية ترضية عما جرى لهم في الحرب العالمية الثانية، الصراع العربي الإسرائيلي بدأ مع بداية القرن العشرين وجريمة محرقة اليهود حدثت في منتصف القرن العشرين.

الزيارة التي قام بها معالي الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامية لموقع أوشفيتس للمحرقة النازية التي قتل فيه أكثر من مليون إنسان جلهم من اليهود في بولندا هي خطاب أخلاقي لا علاقة لها بالقضايا السياسية العالقة، هذه الزيارة تؤكد مفهوم الإسلام في المملكة الذي لا يخلط الحقائق ويستثمرها في قضاياه، خلط القضايا وتوظيفها في السياسية لم يورث البشرية سوى المزيد من العنف والكراهية.

تؤكد هذه الزيارة التاريخية أن المملكة بإسلامها المعتدل لا تحمل خطابات متناقضة في السعي للسلام، ما يجري للفلسطينيين في فلسطين مأساة وما جرى لليهود في ألمانيا النازية مأساة أيضاً، عندما ندافع عن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يكون جزءاً من مسعانا تجاهل حقوق الآخرين، ما حدث في ألمانيا ضد اليهود وعدد من الاثنيات الأخرى جريمة لا تغتفر.

لكي نكرس مفهوم السلام نرتفع عن ألاعيب السياسة ونتعامل مع المآسي كما هي فلا فرق بين مأساة وأخرى. إذا كانت إسرائيل استغلت مأساة اليهود في العهد النازي فكثير من العرب والمسلمين استغلوا المأساة الفلسطينية بأن وظفوها في أجنداتهم السياسية، إذا كان كثير من شرفاء المسلمين يحسون بالتعاطف مع ضحايا النازية فعلينا أيضاً أن نتذكر أن كثيراً من شرفاء اليهود دافعوا وما زالوا يدافعون عن الحقوق الفلسطينية.