محمد العسومي

استهل الأمين العام الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف الحجرف مهام عمله مع حلول عام 2020 كأمين عام سادس منذ تأسيس المجلس عام 1981، يأتي ذلك في ظل ظروف خليجية وإقليمية وعالمية غير مواتية وتتميز بتعدد الصراعات والنزاعات الخطيرة على كافة الأصعدة، مما يضع على كاهل الأمين العام أعباء وتحديات إضافية.
ومع ذلك، هناك تجارب ومؤشرات إيجابية يمكن للدكتور «الحجرف» الاستفادة منها والبناء عليها، فدول المجلس بنت تجربتها التنموية في العقود الأربعة الماضية على الرغم من مرور منطقة الخليج العربي بثلاث حروب مدمرة، مما يعني أن الحروب والصراعات لا

يمكنها وقف برامج التنمية إذا توفرت الإرادة والإدارة الجيدة، وإن التعلل بالأوضاع غير المواتية، هي حجة الضعيف.
إلى جانب ذلك يتسلم الأمانة العامة أول أمين عام قادم من خلفية اقتصادية ومالية قوية وتجربة طويلة، مما يؤهله لإنجاز الكثير من القضايا الاقتصادية المعلقة منذ سنوات، فخبراته تشمل العمل في القطاعين العام والخاص، مما يمنحه مرونة كبيرة، فبالإضافة إلى تسلمه وزارة المالية في الكويت ومدير بنك البحرين والكويت وشركة البحرين الأولى للتطوير العقاري وشركة الاستثمارات العربية بالرياض، فإنه يمتلك خبرة أكاديمية من خلال عمله، كنائب لرئيس جامعة الخليج بالكويت، حيث تعهد مؤخراً أثناء تسلم مهامه رسمياً قائلاً «بعمله لاستمرار مسيرة دول المجلس وترجمة توجيهات وتعليمات القادة على أرض الواقع»، وهو المطلوب بصورة أساسية، فقد وافق القادة على قرارات واتفاقيات بحاجة للتنفيذ.
لذلك، فإن من أولوياته إخراج هذه القرارات والاتفاقيات من مخازن وأرفف الأمانة العامة والعمل على تنفيذها، وهي قرارات واتفاقيات في غاية الأهمية وطال زمن تجميدها، فالقطار الخليجي بالغ الأهمية للنقل والتجارة والمقرر تنفيذه في قبل ثلاث سنوات، أي في عام 2017 لا زال مقتصراً على بعض الخطوط التي أنجزت عمليا في كل من الإمارات والسعودية، أما في باقي دول المجلس، فإن هذا الأمر لا زال مؤجلاً أو في طور الدراسات!
وهناك أيضاً مشروع الربط المائي، وهو يشكل أهمية استثنائية لدول المجلس بسبب الأخطار البيئية التي تهدد مياه الخليج، مما يتطلب وجود شبكة ترتبط بالمحيط الهندي والبحر الأحمر في كل من السعودية والإمارات وعُمان، وهو ما سيمنح دول المجلس أمناً مائياً حيوياً ويقلل من الأخطار الهائلة في هذا المجال.

وهناك أيضاً شبكة الغاز الطبيعي التي تعتبر حيوية أيضاً لتنمية العديد من الصناعات المهمة وإمدادات الطاقة الكهربائية. إضافة إلى ذلك، هناك تعميق المواطنة الخليجية واستكمال السوق الخليجية المشتركة من خلال توحيد الأنظمة والقوانين الاقتصادية والمالية وغيرها من المسائل المجمدة، والتي لا يتسع المجال لتعدادها كاملة.

ورغم صعوبة تنفيذ هذه القرارات والاتفاقيات بسبب وضع المجلس الحالي، إلا أنها ليست مستحيلة إذا ما تم العمل عليها بجد انطلاقاً من المصالح المشتركة، إذ أننا لا نتحدث هنا عن العملة الموحدة بعيدة المنال، وإنما عن أساسيات تتوفر لها فرص التنفيذ والنجاح.
شخصية الأمين العام وجهوده تمثل حجر الزاوية في الوصول لهذه الغايات، حيث يمكننا تأكيد ذلك من خلال العلاقات القريبة السابقة ببعض الأمناء العامين، والذين حققوا للمجلس إنجازات حقيقية بعد تلمسهم دعم القادة الكبير لتوجهات الأمانة العامة، ففي بدايات التأسيس وضعت أسس اقتصادية قوية لانطلاقة المجلس، أما في بداية الألفية، فقد قامت الأمانة العامة بخراج كافة الملفات المعلقة وتنفيذها، كالتعرفة الجمركية الموحدة والربط الكهربائي وبدايات السوق المشتركة والعديد من الأنظمة والقوانين المعززة للمواطنة الخليجية، كل ذلك بدعم مباشر من قادة دول المجلس.

وبالنتيجة، فان عمل المجلس ليس بحاجة لأنشطة العلاقات العامة للأمين العام والتي يمكن التقليل منها للحد الأدنى، وإنما بحاجة لأمين عام عملي ونشط في مجال التنفيذ ويعرف دهاليز كيفية تنفيذ القرارات والاتفاقيات التي أقرها القادة، وهو ما يدعونا للتفاؤل بالدكتور نايف الحجرف، مع الدعوة له بالتوفيق والنجاح لإنجاز مهام عمله الجديدة والمهمة.