هيلة المشوح


لن أتحدث كثيراً في الشق السياسي للقضية الفلسطينية، فكلنا نعرف المراحل والتحولات التي مرت بها منذ وعد بلفور مروراً باتفاقية وايزمان وسيطرة الجيش البريطاني بما سمي الانتداب البريطاني على الأراضي العربية وكل الأحداث والحروب والمآسي والاتفاقات والإخفاقات ما بين عامي 1919 و2020 الذي طرحت فيه خطة سلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو ما عرف باسم «صفقة القرن» التي استغرق العمل عليها ثلاث سنوات وتهدف لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتتضمن تفاصيل وعقوداً رفضها الفلسطينيون وتعامل معها البعض بالتهدئة ومحاولات الإقناع بقبول المتاح والمطالبة بالباقي، كرأي القيادي السابق في حركة «فتح» محمد دحلان باقتراحه على الرئيس الفلسطيني محمود عباس البدء بإعلان قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس وفقاً للقرار رقم 67/19 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.. لكن الأمور آلت إلى الرفض حتى قبل الإعلان عن الخطة كحال الاتفاقات والجهود السابقة، سواء العربية أو الدولية.

سأتناول هنا الجانب الاجتماعي، أو بالأصح ردات فعل الشعب الفلسطيني أمام أي تدهور في القضية الفلسطينية، خصوصاً فيما يتعلق بالخطة الأخيرة، فكلنا نعرف -مبدئياً- أن الصراع فلسطيني إسرائيلي، وكلنا نعلم -أي العرب والعالم أجمع- الجهود التي قامت بها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والتضحيات التي قدمتاها، والاحتواء التاريخي النبيل للقضية الفلسطينية كونها قضية أرض عربية تحوي أحد المقدسات الإسلامية وهو القدس الشريف. والحديث يطول عن المواقف التاريخية لقادة السعودية والإمارات، فمذ بدايات القرن الماضي ومنذ احتلال الأرض الفلسطينية ونحن في الخليج عامةً نقدم كل ما يدعم القضية بالمبادرات والحلول والمساعدات المالية إيماناً منا، حكومات وشعوباً، بعدالة القضية الفلسطينية وأحقية شعبها بكل شبر اغتصب منه. لكن الذي نلاحظه أنه عند كل إخفاق أو تدهور في مسار القضية أو أي هجوم إسرائيلي، أن بعضاً من الأصوات الفلسطينية توجه سهامها نحو السعودية والإمارات، خصوصاً من أولئك الذين يعيشون بالمهجر أو حتى ممن هم داخل فلسطين، حتى أصبح البعض منهم يتعامل مع القضية كصراع بينه وبين أشقائه في الخليج ومصر وليس كصراع بينه وبين إسرائيل التي احتلت أرضه واستوطنتها!

لا شك في أن الشعارات المعادية التي يرفعها بعض الفلسطينيين من حين لآخر ضد دول الخليج، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تتبناها وتحركها جهات ضليعة بتنظيم الإخوان المتأسلمين ورعاة الإسلام السياسي، بدلالة تركيزهم على الدول المقاطعة لقطر والتنديد بها ورفع شعارات مناوئة ومناهضة لسياساتها، بما في ذلك مصر، بينما ترفع شعارات مساندة ومؤازرة لإيران وتركيا. وهذا السلوك لايخص قطاع غزة لوحده، والتأجيج الذي تمارس هناك حركة «حماس»، بل يتجاوزها إلى الضفة الغربية أحياناً، حيث أصبح التهجم على هذه الدول الداعمة يظهر في الأعراس، ومظاهرات الشوارع، ومنابر المساجد وخطب الجمعة، وفي الأنشطة الطلابية داخل الجامعات..! والمثير للاستغراب أنهم يهاجمون الحكومات الخليجية، علماً بأن جميع الدول الخليجية لم تبادر بالتطبيع مع إسرائيل حتى يومنا هذا عدا دولة قطر التي مدت يدها لمصافحة إسرائيل بالتطبيع مبكراً وكذلك فعلت حليفتها تركيا!

على كل حال فالخطة المقترحة على الإخوة الفلسطينيين، والتي ستكون ناجعة بالتأكيد، هي أن يستثمروا وقت شتائمهم غير المجدية ضد المملكة ودولة الإمارات ويحولونها إلى طاقات وطنية كفيلة بتحرير بلادهم، فلو استفادوا من وقتهم المهدر في شتمنا لصنعوا آليات عسكرية تضاهي ما تصنعه إسرائيل، فلديهم كفاءات وعقول يجب استثمارها لما ينفعهم وينتشلهم من أزماتهم السياسية والمعيشية والاقتصادية المتعثرة، والأهم أن يدركوا أن القضية الفلسطينية كلما امتدت تاريخياً تقلصت جغرافياً، ليقتنعوا سياسياً بمبدأ «خذ وطالب»!