حسن مدن

في غمرة شدّ وجذب بين روسيا وتركيا، وتصعيد عسكري ميداني في محافظة إدلب، أعلنت دمشق دخول قواتها إلى أحد أهم معاقل المعارضة، مدينة سراقب الاستراتيجية، وبدأت تمشيطها وإزالة الألغام والمفخخات التي خلّفها المسلحون.
ويعدّ هذا ثاني تقدّم حاسم خلال الأسابيع الأخيرة بعد تحرير معرّة النعمان، وإذا ما أضيف إلى ذلك النجاحات الجزئية الأخرى التي حققتها قوات الجيش السوري مسنودة بالطيران الروسي، يمكن الاستنتاج أن دمشق وموسكو سائرتان في طريق استعادة إدلب نهائياً من المسلحين، فبالنسبة لهما ستظل النجاحات الحاسمة التي حققتاها خلال السنوات الماضية منقوصة إن لم يتحقق هذا الهدف.
جلي أنه كانت هناك تفاهمات ميدانية داخلية، بغطاء دولي وإقليمي على تأجيل معركة إدلب حتى تنضج ظروف تسوية ما للأزمة السورية، وبالنسبة للنظام السوري فإن إدلب أصبحت أشبه ما تكون ب «المصيدة» الأخيرة، حيث جرى، على مراحل، ترحيل المسلحين المنهزمين في مواقع سورية أخرى إليها، بغية حصرهم، وحصارهم أيضاً فيها ما يسهل واحداً من أمرين: إما هزيمتهم عسكرياً بالاتكاء على الدعم الروسي، وإما حملهم على قبول تسوية بغطاء دولي وإقليمي، تؤدي إلى نزع سلاحهم. وظاهر الأمور يشير إلى أن دمشق تحبذ الخيار الأول.
لا يمكن النظر إلى ملف إدلب بمعزل عن الدور التركي؛ كون أنقرة راعياً للجماعات المسلحة المتحصنة في المدينة، وحاول أردوغان، في إطار تفاهمات آستانا، المناورة بالوقت؛ لتفادي دخول الجيش السوري للمدينة، وحماية حلفائه فيها، وأظهرت موسكو براجماتية واضحة في عدم استعجال الحسم، طمعاً في تعاون أردوغان معها في ملفات أخرى تهمها، دون أن يعني ذلك تخلّيها عن خيار هذا الحسم بأي حال.
لذلك لجأت موسكو إلى خيار الحسم على مراحل، أو بالتقسيط، فبين فترة وأخرى تتقدم قوات الجيش السوري بدعم الطيران الروسي، وتستعيد بعض البلدات والقرى من المسلحين، ثم يُصار إلى هدنة مؤقتة مراضاة للأتراك، ثم تعاود الكرة مرة ومرات، حتى بدأ الجيش السوري يحقق نجاحات استراتيجية هناك باستعادة معرة النعمان ثم سراقب.
تصاحب ذلك مع ضغط دبلوماسي وسياسي من موسكو ضد أنقرة، حيث اتهمت الأولى الثانية بعدم الالتزام بتعهداتها، وقالت إن هجمات المسلحين ضد المنشآت الروسية تأتي من مناطق تسيطر عليها تركيا.
ليس مستبعداً أن توافق موسكو على هدنة جديدة منطلقة من الواقع الميداني الذي تحقق، لكنها إن تمت، فستكون كسابقاتها مجرد محطة، تليها مواجهات قادمة، حتى يتحقق هدفها المعلن ببسط دمشق سيطرتها على كامل سوريا.