سالم حميد


انتهت مراحل محاكمة الرئيس الأميركي ترامب أمام مجلس الشيوخ بتبرئته، وتم إسدال الستار على محاولة لعزله قادها بعض «الديمقراطيين»، وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وقبل أيام أيضاً تابع كثيرون على مستوى العالم الرئيس ترامب وهو يلقي خطاب حالة الاتحاد، ولفت انتباههم قيام بيلوسي بتمزيق نسخة من الخطاب، في خطوة أضيفت إلى مواقفها المختلفة مع نهج ترامب.
لكن كانت هناك ملاحظة أخرى ذكية لم يلتفت إليها الجميع، وهي أن زعيمة الأغلبية الديمقراطية، رغم انتقاداتها وخلافاتها الشديدة مع ترامب، لا ترفض بشكل حاد مجمل توجهات سياسته الخارجية، بدليل أنها وقفت تصفق بحرارة تأييداً لترحيب ودعم ترامب للمعارض الفنزويلي خوان غوايدو الذي تعترف به الولايات المتحدة رئيساً موقّتاً لفنزويلا.

هذا المشهد يقدِّم درساً لمن يعتبرون أنفسهم في خانة المعارضة في منطقتنا العربية، أولئك الذين يتحولون إلى خونة لأوطانهم، يشككون ويحرضون ضدها في الخارج بعدوانية، ولا يمكن تفسير هذا التنمر إلا بما لدى أصحابه من حقد وجهل بالسياسة يغلفونه بسلوك الخيانة.
وإذا كنا ننتقد بين فترة وأخرى سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي وما تفرزه من ظواهر سلبية تنعكس على فضاء الإنترنت، فإن لتلك الشبكات إيجابيات أيضاً، رغم مساوئها الكثيرة، فهي تكشف لنا طرق تفكير بعض الفئات الضالة، حيث أسهمت الإنترنت في دفع أفراد الجماعات الظلامية إلى إظهار ما لديهم من أحقاد على بلدانهم ورغبة في تشويه صورتها في الخارج. فهم يتعمدون الكذب والإساءة في كل ما ينشرونه عبر حساباتهم الإلكترونية، والأمثلة خلال السنوات الماضية كثيرة وكلها تفضح أنشطة المتطرفين ونواياهم ومخططاتهم، كما تدينهم بالتحريض ضد بلدانهم، ومنهم مَن ظلوا يحرّضون ضد دولة الإمارات لاستهدافها إعلامياً، رغم شهادة المؤسسات الدولية بالمستوى المتقدم لجودة الحياة في الدولة وبما تقدمه لمواطنيها ولمستقبل أبنائهم. ورغم المكانة التي تحققها الإمارات على كافة المؤشرات في مجالات تتنافس حولها الدول الأكثر تقدماً على مستوى العالم. لكن أولئك الذين اعتادوا الإساءة للوطن الذي منحهم الكثير، أدمنوا الخيانة وجعلوها وظيفة يزاولونها بانتظام من دون أي خجل.
ويمكن تكثيف كل مشاهد الخيانة والتطاول على الأوطان في ثقافة «الإخوان» من خلال تأمل سلوك مجاميع الهاربين، ولا فرق بينهم لأنهم يتشابهون وينتهجون أسلوب التشويه والمتاجرة بالدين ومحاولات استغلال اهتمام المنظمات المشبوهة بالفقاعات الإعلامية، للقيام بتزوير واختلاق قصص لتشويه سمعة بلدانهم، وهذا بالضبط ما يفعله أفراد «الإخوان» الذين قرروا الانسلاخ عن هويتهم الإماراتية والعيش على تسويق الأوهام وادعاء المظلومية واختيار القطيعة والسلوك العدواني تجاه الوطن.
ورغم أن التحركات الإعلامية الساذجة التي يقوم بها أتباع الخلية الإخوانية في الخارج فشلت منذ سنوات، فإنهم يراهنون حتى الآن على الاستقواء بالمنظمات والتمويلات المشبوهة لمواصلة التشويه الإعلامي، انطلاقاً من منصات مدفوعة الثمن ومخصصة للإساءة بحق الإمارات. وهناك دروس عديدة لم يستوعبها الهاربون من العدالة، تثبت أن فشلهم سوف يتكرر وأن عبثهم أصبح مكشوفاً ويثير السخرية.

وعندما نتأمل سلوك أتباع تنظيم «الإخوان» وفروعهم في جميع الأقطار العربية، نجدهم يبررون الخيانة والتطاول على بلدانهم، ويعتقدون أن المعارضة هي إلحاق الضرر والقطيعة التامة مع المجتمعات. كما نجد أن مشاعر الولاء والانتماء لديهم ترتبط بمفاهيم عابرة للأوطان، فهم يتحدثون عن الأمة الافتراضية وعن الخلافة الضائعة، بينما يعجزون عن إيجاد مشترك بينهم وبين الشعوب. فنهجهم يقوم على الانسلاخ عن شعوبهم مع الحنين إلى عالمهم المنغلق، والتمكين هو هدفهم الأسمى من أجل التسلل إلى الحكم والسيطرة على الثروة.
هذه خلاصة فكر جماعات الإسلام السياسي، ولن تجد بينهم وبين مفهوم الوطن أي رابط عاطفي كالذي يميز أي إنسان. أما التبرير الذي يقدمونه للتخلي عن الانتماء الوطني فيقوم على اعتقادهم الواهم بأنهم أصحاب رسالة ذات أفق أكبر من جغرافيا الوطن، لكنهم في الواقع يخسرون الوطن والأمة معاً، بدليل فشلهم في إنتاج مشروع فكري يخلو من الإرهاب والتطرف والخيانة. ولن يكون الفرد وفياً لأمته الكبيرة وعالمه الواسع إذا لم يكن قبل ذلك وفياً للوطن والشعب الذي ينتمي إليه.