محمد المسعودي

حين نقرأ هذا الاسم الضخم أو نحتفي به اليوم تكريماً؛ أجزم كذلك أنه (هنا) ومن قبل، ليس في حاجة كي نكتب عنه حرفاً واحداً؛ بقدر أن نقف إجلالاً لقصة مفكر وطني وسنوات من العطاء..

في ليلة وفاء مبين من عطاءات الأوطان، يكون البيان فقط ملمحاً جمالياً ولوحةً فنية ومقطوعة موسيقية توصلنا إلى جماليات الجمال، أو بعبارة أكثر دقة إلى جماليات الملمح الفكري بتنوعٍ مرن تفرزه الذائقة الإبداعية، القادرة على التكثيف والعمق والمغايرة والتنوع حد الدهشة.

ولأكثر من خمسين عاماً بالعطاء والسخاء والولاء للوطن والفكر والثقافة والأدب والعمل الأكاديمي ومعادلة لا حدود لها، حقق فيها الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي الناقد والمفكر والأكاديمي السعودي خطىً فكرية ومسيرة ثقافية نوعية وكمية طرزها بجهود حثيثة في كافة المجالات القافية والأدبية لتلامس الإنجازات والمخرجات المتواترة.. بل كثير من التغييرات والتحولات والتحديات التي تقتضيها المرحلة وما قبلها وما بعدها.. حتى غدا وشماً سعودياً على خارطة وطن.

مارس "أبو غادة" ثقافته سلوكًا فلم يتخذها وجاهةً أو امتيازًا ذاتيًا، بل وظفها مسؤولية برصانة وتجربة يحفها شغف الفكر، حمل فيها مضامين ورؤى الوعي بالذات، فصنع أنموذجاً مضيئاً.. حتى حق لنا الفخر به على بوابة الثقافة السعودية وتاريخها بعد أن نثر فيها شعاع الإخلاص والمواطنة في سماء "خضراء" تنير الطريق للعابرين فقط إلى منصات القمم.

دخل عوالم وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً في منصة تويتر، في سبتمبر 2011 أي بعد خمس سنوات من إنشائه، فنقض المقولة الشائعة أن كبار الكتّاب والنقاد ينظرون إلى مواقع التواصل الاجتماعي بنوع من التعالي، وفي بداية تعامله مع تويتر شعر أنه أمام لغز ثقافي مضاد للثقافة والوقار الثقافي كذلك الخطاب الاصطلاحي والمعنى العلمي والبحثي للثقافة.. فلم يلبث أن ألف كتابه "ثقافة تويتر: حرية التعبير أو مسؤولية التعبير".

ورغم أن حده الثامنة مساءً صيفاً والتاسعة شتاءً في "تويتر"، نجد أنه كتب حوالي 236٫4 ألف تغريدة، نكتشف فيها بحسبة بسيطة أن نسبة عدد تغريداته في كل يوم 6 تغريدات مؤثرة فعالة وصاخبة أحياناً في كل الاتجاهات الوطنية والفكرية والثقافية.. ولديه اليوم 502٫5 ألف متابع يقول لهم بأبوّة حانية "سموا أنفسكم مستقلين، كونوا دعاة سلام ومحبة، قولوا بحرية التفكير والتعبير لمخالفيكم قبل أنفسكم، قل رأيك (ولا تبالي) شرط أن تقول هو رأيي أعرضه ولا أفرضه.

وعند تتويج جهوده الكبيرة في خدمة الثقافة وإسهامه في الحركة الثقافية، في التكريم القدير من نادي جدة الأدبي الثقافي لأستاذنا "الغذامي" ضمن فعاليات "ملتقى قراءة النص السادس عشر"، حيث شهد الحضور واحتفى بما قدمه "الغذامي" ومسيرته الأوج، إلا أنه أبى إلا أن يستمر في دروسه لنا وللتأريخ في ابعاد "الأنا" وإغراقها، فمرر التكريم بطريقة "النبلاء" فقط، واستعان مباشرةً في بدء كلمته ببيت من قصيدة لفاروق شوشة واصفًا شعوره في ليلة البهاء:

قد يطاق الجمال فرداً ولكن

كل هذا الجمال كيف يطاقُ

عادًّا أجمل ما في هذا البيت شطره الثاني.. وبصوت متحشرِجٍ ودمعةٍ خافيةٍ قائلاً: "سأحمل هذا الجمال فوق هامتي، وأقدمه في باقة لأناس يستحقونه وقد غابوا عنا، كانوا في هذا المكان وملئه.. عبدالفتاح أبو مدين، محمد حسين زيدان، عزيز ضياء، أبو تراب الظاهري، محمود عارف؛ كانوا في الصف الأول، يأتون أول من يأتي.. مشيدًا بوقفاتهم، وبقوتهم المعنوية، وقال: هؤلاء هم الذين صنعوا هذا النادي"، وكأنه يقول هم من يستحقون التكريم حتى اليوم ولست منهم أو أنني آخرهم!

وأخيرًا.. حين نقرأ هذا الاسم الضخم أو نحتفي به اليوم تكريماً؛ أجزم كذلك أنه (هنا) ومن قبل، ليس في حاجة كي نكتب عنه حرفاً واحداً؛ بقدر أن نقف إجلالاً لقصة مفكر وطني وسنوات من العطاء، ولأنها شهادة "عصر" تحبو نحوه؛ تزرع القدوة لمن يقابله أو يعرفه أو قرأ له ، مع رؤية لي وللأجيال القادمة نحو الأوطان.. "عبدالله الغذامي" أكاليل وفاء نهديها لك بحجم الوطن مع شكر مسيّجٍ بشذا الوفاء لـعقلك و"قلبك" وأكثر!