عبدالرحمن الطريري

يشيع استخدام مصطلح النقد في مجال الأدب، والفنون، سواء ما هو مكتوب، أو مسموع، كالشعر، والقصة، والرواية، أو أي نص مهما كانت الصيغة التي يعرض بها، أو المجال الذي تتناوله، كما أن استخدامه في مجال الفن، كالمسرح، والأفلام والرسم والنحت، يرتكز النقد فيه على تشخيص النص، أو المنتج الفني، وتشريحه، لإبراز إيجابياته، وسلبياته، سواء في المحتوى، والفكرة التي يعالجها، أو في الخصائص الفنية التي يتمتع بها، حسب طبيعة ما يخضع لعملية النقد، كالألوان، والخيال، والصياغة، والأسلوب، والألفاظ المستخدمة، ومناسبة المحتوى للجمهور المتلقي لهذا المنتج.

وقد وجدت مدارس نقدية عدة، كـ"البنيوية، الرومانسية، السريالية، التشريحية، التفكيكية، والواقعية"، وهذه المدارس تختلف فيما بينها في مجال الاهتمام الذي تركز عليه في عملية النقد، فبدلا من التركيز على الخيال، والأوهام، والأحلام الذي تأخذ به الرومانسية، تهتم الواقعية بالإنسان، وظروفه الحياتية اليومية؛ للفت النظر لهذا الواقع؛ بهدف إصلاحه، وتحسين أوضاع الناس، بدلا من الإغراق في أمور لا تضيف لحياة الناس ما يحسن أوضاعهم، فقصيدة معروف الرصافي "الأرملة" تمثل أنموذجا للشعر الذي يرصد الواقع الاجتماعي:

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها .. تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها

أثوابها رثة والرجل حافية .. والدمع تذرفه في الخد عيناها

مثل هذه القصيدة قد يتناولها النقاد حسب النظرية التي يأخذ بها كل واحد منهم، فمن يتبنى المدرسة الواقعية ستعجبه لما للشاعر من عين بصيرة، وحس إنساني، وقريحة صورت مشهدا اجتماعيا يلزم التفاعل الفردي والمجتمعي والمؤسسي معه، أما من يأخذ بالمدرسة الرومانسية فقد لا تعنيه الفكرة، بقدر ما تعنيه الأخيلة، والقصص العاطفية، ولذا تتبنى فصل الأدب عن الأخلاق؛ لإعطاء الفنان فرصة التعبير بكل حرية ودون أخذ في الاعتبار لقيم، وأخلاق المجتمع، وثوابته التي تشكل أسس بناء المجتمع؛ ما يعرض بنية المجتمع للتفكك؛ نتيجة شيوع مثل هذا الفن.

كلمة نقد ثقيلة على البعض إذ يشعرون عند سماعهم هذه المفردة، خاصة إذا كانوا هم أصحاب المنتج، أيا كان، سواء كان عملا أدبيا، فنيا، أو منتجا فكريا، ذا قيمة في حياة الناس؛ لذا أرى لتجاوز الحساسية التي يشعر بها البعض عند إخضاع منجزاتهم للنقد، وتجنبا للتشنج، والتوتر في العلاقات بين أفراد المجتمع، والأفراد، والمؤسسات استخدام مصطلح التقييم بدلا من النقد؛ لتجاوز مشكلة ثقافية ترسخت مع الوقت في أذهان الناس، على اعتبار أن النقد يعني إبراز السلبيات، دون الإيجابيات، وهذا غير صحيح.
التقييم يعني تقدير الشيء، وتثمينه، كأن يقدر الجوهري ثمن سبيكة ذهب؛ بناء على ما يجده فيها من مميزات، أو عيوب، ويشيع استخدامه في كثير من المجالات؛ فيستخدم في الوسط التربوي، والتعليمي لتقييم أداء الطلاب، كما يستخدم في الوسط الإداري لتقييم الأداء في الشركة، أو الإدارة، كما يستخدم في الوسط العقاري، لتثمين أسعار العقارات، ويماثل معناه معنى التشخيص، فالطبيب، أو الإخصائي النفسي كلاهما يقوم -كل بأدواته، وأساليبه التي تدرب عليها- بتقييم الحالة التي بين يديه؛ بهدف معرفة الإيجابيات؛ والسلبيات، أو نقاط الضعف، والقوة؛ بهدف مساعدة الحالة على تجاوز وضعها.

وفق السياق السابق فاستخدام مصطلح التقييم، بدلا من النقد، وجعله جزءا من الثقافة المجتمعية يخفف القيود التي تفرضها بعض الجهات، فيما ينشر بشأن وضعها الإداري، أو بشأن مشاريعها، وأداء منسوبيها، إلا أن عملية الاستبدال تتطلب جهدا، وعقولا تعد عملية التقييم نشاطا مفيدا يبصر المسؤول بواقعه شخصيا، وواقع الجهة التي يديرها؛ حتى لا يغرق في الأحلام الرومانسية التي يغذيها إعلام غير دقيق، أو أصحاب مصالح يحيطون برئيس الشركة، أو المصلحة، ما يعيقها عن تحقيق أهدافها المرسومة لها. وفي ضوء ذلك، فالكاتب عندما ينتقد وضعا؛ إنما يقيم مبرزا الإيجابيات، والسلبيات، وعليه لا داعي من الحساسيات، وردود الفعل الغاضبة، وعلى الجهة المعنية أخذ الأمر بهدوء والاستفادة من الفكرة والرأي فهل نؤسس لثقافة التقييم؟