علي القحيص

لا شك في أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وقد أصبحت قضيتهم المركزية من دون منازع منذ احتلالها عام 1948، وما زال العرب والمسلمون يحاولون أن ينتزعوا شيئاً منها لإعادتها إلى أهلها وأصحابها الشرعيين، وذلك بالنظر إلى أهميتها بالنسبة لهم جميعاً، وكونها مهد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فضلاً عن أهميتها التاريخية والجغرافية والاستراتيجية، لذلك فقد شكّلت محور صراع مستمر منذ 72 عاماً.
فلسطين بوصلة «الصراع العربي الإسرائيلي»، رغم كل المحاولات الرامية لطمس هويتها وتمييع وتذويب تاريخها العربي الواضح، وإخفاء معالمها الجلية في ملفات وأروقة دولية، من خلال أجندات ومؤتمرات ومؤامرات معلنة وخفية.
وبعد ما عرفته القضية من مد وجزر وما ارتبط بها وانعكس عليها من خلافات عربية عربية، جاءت الانشقاقات الفلسطينية التي زادت الطين بلة وعقّدت الأمور، ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأضعفت الهمة، وخفّضت سقف مطالب العرب وشروطهم حول ما يعدونه قضيتهم المصيرية.

وعلى ضوء هذا الوضع، طلب بعض الناصحين من الفلسطينيين أنفسهم، وهم أصحاب الشأن والقضية قبل غيرهم، الجلوس إلى طاولة واحدة والتفاوض مع عدوهم الغاصب لأرضهم وحقهم، لعلهم يحصلون على ما تبقى من الأرض المختطفة المنتزعة، دون تفريط بالقدس الشريف.
ومارس الإسرائيليون المكر والدهاء، لذلك لم تُحل المسألة كما رغب العرب والفلسطينيون الذين قبلوا بالحل، وما زالوا يحاولون الوصول إليه حتى الآن.
ورغم الوعي بالواقع المرير، فقد قال العرب كلمتهم: نحن مع مطالب الفلسطينيين أياً كانت، ثم دعموهم وما فتئوا يدعمونهم في المنابر الدولية، كما عملوا من أجل القضية وناصروها منذ بدايتها وما يزالون، وأصدروا قرارهم القائل بأن «منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، لكن الفرقة بين الأشقاء المعنيين أنفسهم، أسقطت من يد العرب كثيراً من أوراق الضغط والمناورة حيال الخصوم، وأفقدتهم بعض حماسهم.. بعدما دُفعت دماء عربية غزيرة وزكية وأموال عربية كثيرة وباهظة، خصوصاً من دول الخليج العربية.

إن الانشقاق الفلسطيني وقد بلغ ذروته مع الخرق الكبير الذي أحدثته حركة «حماس»، أحبط الشعوب العربية وأثنى عزمها، حتى قال كثير من العرب: لا ينبغي أن نزايد على القضية أكثر من أهلها!
ورغم ذلك لم يتوقف الدعم والمساندة والتضامن من جانب العرب، حيال هذه القضية المركزية الهامة بالنسبة لهم، لا قبل صفقة القرن ولا بعدها، لأن الصفقات مستمرة وتتوالى تباعاً، من كل الأطراف المتنازعة والمتناحرة، وهذه هي المستفيد الوحيد من ملف دولي شائك مثل هذا.

والمؤسف أن يأتي صوت من أصوات المهرولين والمطبّعين، متهماً الدول التي لم تطبع يوماً ولم تعقد اتفاقيات سرية أو علنية مع إسرائيل ولم تعترف بها حتى الآن.. ليمارس هوايته في التلفيق والمزايدة. إنها ضربة موجعة أخرى من بعض الأشقاء لقضيتهم، ولن يتحقق من ورائها إلا المزيد من الفرقة والانشقاق في هذه المرحلة الحرجة والصعبة، والتي يتضح فيها جلياً ضعف الموقف العربي، في كثير من المؤتمرات والمحافل والقمم!