أحمد الصراف

يوما عن يوم تتزايد المطالبات من المخلصين وغيرهم، بضرورة معالجة عجز الميزانية والهدر الكبير في مختلف أوجه الصرف، خاصة في بند الرواتب. مقابل ذلك تتزايد مطالبات غيرهم بوقف الحديث عن شد الأحزمة وتقليص الرواتب، والاتجاه بدلا من ذلك لمعالجة السرقات الضخمة والهدر الكبير في المصاريف الحكومية، ومزايا الوزراء والنواب. تقول القاعدة، ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه، وهذه قاعدةٌ تَنطَبِقُ على كل أوجه الحياة، فلا يَجدُرُ بِنا التَّخَلي عَن أمرٍ ما لِمُجرَّدِ أَنَّنا لَمْ نُدرِكه كُلَّه، فلو أدركنا أكثَرَهُ كان خيراً أيضا.

فمن غير المنطقي المطالبة بوقف الحديث عن الهدر الكبير في بند الرواتب، بحجة أننا عاجزون عن وقف السرقات والاعتداءات على المال العام، فلا شيء يمنعنا من السير في خطين متوازيين! ومن هنا رأيت وكتبت عن حجم الظلم والتشهير الذي نال الأستاذة الجامعية أنوار الإبراهيم، فقط لأنها أبدت رأيها في مبلغ مئتي دينار تصرف لكل طالب جامعي، لاعتقادها أن غالبيتهم بغير حاجة للمبلغ أصلا، فالموضوع أكبر من المبلغ محل الخلاف، فهم يوجهون رسالة للحكومة بأنهم سيقلبون الدنيا عليها، من خلال أنوار وغيرها، إن هي «تجرأت» على مجرد الحديث وليس فقط المساس الفعلي بـ«جيوبهم» غير مكترثين بحقيقة ان هناك تضخما في الرواتب في القطاع الحكومي يجعل من الصعوبة مقاربتها مع رواتب العاملين في «الخاص»، وهذا سيجعل العمل الحكومي أكثر جذبا وإغراء للكويتي، وإغراقا لموازنة الدولة. ففي كلمة ألقاها عبدالوهاب العيسى، الناشط إعلاميا وماليا، في جامعة الكويت، حذر فيها من الإفلاس القادم. وقال إن بند الرواتب في موازنة عام 2004 كان بحدود 3 مليارات دينار.

وفي العام التالي ارتفع ليصبح 11 مليار دينار. وفي العام 2024/2025 سيصل لعشرين مليار دينار! وان الرقم سيتضاعف في السنوات العشر التالية. وأضاف ان كل وسائل النقل والآلات ستتحول للكهرباء والطاقة الشمسية، علما بان الشركات التي تتحكم حاليا ومستقبلا في اقتصاد العالم، مثل أبل وهواوي وغيرهما لا تحرق برميل نفط واحدا، وفي الوقت نفسه ستنخفض ايراداتنا من النفط في عام 2035 الى دون العشرة مليارات دينار، وسيرتفع العجز السنوي بالتالي إلى أكثر من 30 مليار دينار، ولن يبقى شيء في الصندوق السيادي عندها، ولن ينفع وقتها تخفيض قيمة الدينار، أو غير ذلك من اجراءات تأخر تطبيقها. ما لا تعلمه «حكومتنا الرشيدة جدا»، أن بريطانيا أعلنت رسميا، وبقرار ملزم، انها ستوقف مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل ابتداء من عام 2035، أي قبل 5 سنوات مما كان مخططا له. كما أعلنت ان الحظر سيشمل أيضا السيارات الهجينة، في سعيها لمحاربة أزمة المناخ، وخفض انبعاثات الكربون إلى درجة الصفر مع حلول العام 2050، وهو العام الذي سيكون فيه أحفادي في قمة حاجتهم لعمل ما! وقد سبقت دول كثيرة بريطانيا في هذا المجال، ومنها النرويج التي تطمح لأن تكون جميع السيارات والشاحنات الصغيرة التي تباع فيها خالية من الانبعاثات بحلول عام 2025، كما دعت الهند إلى بيع السيارات الكهربائية فقط بحلول عام 2030. فماذا نحن فاعلون، علما بأن العلماء أثبتوا أن النفط الموجود لدينا لا يمكن شربه؟! .