هيلة المشوح

الهدوء والحكمة خير ما فعلته حكومة المملكة العربية السعودية إزاء الاستفزاز السياسي الذي رتبت له وقامت به مجموعة من الأتراك دخلوا الأراضي المقدسة بذريعة العمرة، وإذا هم يقلبونها مظاهرة وهتافات تحت شعارات الأقصى وتحرير فلسطين ،مرددين «بالروح بالدم نفديك يا أقصى»، في انتهاك صارخ لحرمات الله، وفي استبدال للأدعية والتكبير وروحانية المكان بالهتافات السياسية.
في حدث غير مقبول أدانه كل مسلم واع، انتشر فيديو تم تصويره بحرفية عالية ومهنية لافتة في المسجد الحرام لحشد كبير من الأتراك (الذكور فقط)، وتحديداً في المسعى، يهتفون بشعارات سياسية مؤيدة للقضية الفلسطينية، ويبدو أنهم جاؤوا في مهمة أخرى بعيدة كل البعد عن نسك العمرة وابتغاء رضا الله رغبةً في مادون ذلك، فتلقفته قناة «الجزيرة» القطرية وأبواقها، ترويجاً ونشراً، مع تعليقات لم ترق للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
قد يقول قائل: ولماذا لا يهتفون بهذه الشعارات في بلادهم؟ ولماذا تكلفوا عناء هذه العمرة المسيسة؟ ولماذا لم يتجهوا إلى ساحات «تقسيم» في قلب إسطنبول، لإطلاق تأييدهم للقضية الفلسطينية وللضغط على دولتهم، إن كانوا صادقين جدلاً؟ ولماذا لم تُستثمَر هذه الأموال، من تذاكر طيران وفنادق خمس نجوم ومصاريف سفر، في الوجهة التي هتفوا لها، فاختصروا الطريق على أنفسهم؟ وهل أضاعوا الطريق أم أضاع مَن نسّق لهم اتزانه بعد عام ونيف من محاولات التشويه للمملكة العربية السعودية وتحميلها مالا يصح من اتهامات وحملات ممنهجة؟

نحن، وكل حصيف لم ينطل عليه هذا «السلوك الانتقامي» الحاقد والبغيض، نقول إن القدس أقرب لحشد «حزب العدالة والتنمية» التركي المسيس من المسجد الحرام في مكة، فلماذا لم يقصدوا المسجد الأقصى ويهتفون بتحريره؟ ولماذا لا يرفعون شعارات منددة بإسرائيل التي احتلت الأقصى؟

الجواب هو أن إسرائيل دولة صديقة لتركيا، وتربطهما علاقات لوجستية وعسكرية وتجارية، فضلاً عن العلاقات الدبلوماسية المعلنة منذ عام 1949.. وهناك خطوط حمراء في هذه العلاقات، لا يستطيع الرئيس التركي تجاوزها، لذلك فإن كل بروباغندا يصطنعها النظام التركي تحت شعارات القدس هي مجرد محاولة لرفع أسهمه السياسية لا أكثر.
أدانت الكثير من الدول والمنظمات الإسلامية الاعتبارية ما حدث في الحرم المكي، مثل البيان الصادر عن دار الإفتاء المصرية الذي ورد فيه «أن تركيا تحاول تسييس الشعائر الدينية من خلال تكليف إحدى المنظمات التي توظف الطقوس الدينية»، بينما أثار هذا الشغب -إن صح التعبير- زوار الحرم وقاصدي بيت الله الحرام والكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي، داعين إلى اتخاذ إجراءات مشددة تحظر استخدام بيت الله الحرام لمقاصد سياسية وهتافات معادية لجهة أو مؤيدة لأخرى. والحقيقة أن أي إجراء ضد هذا الحشد السياسي الغريب هو بمثابة تحقيق جزء من خطتهم العبيثة.. ولا شك في أنه سلوك يحفز على تكثيف الحرص لفرز من جاء قاصداً بيت الله ممن جاء قاصداً الإضرار به، وبالدولة التي ترعاه!