فاتح عبدالسلام

لا‭ ‬عجب‭ ‬من‭ ‬هلع‭ ‬يصيب‭ ‬العراقيين‭ ‬واللبنانيين‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬إصابات‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬،‭ ‬فالخطوط‭ ‬السالكة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬،‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬بخواص‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التنقل‭ ‬السلس‭ ‬،‭ ‬وبأعداد‭ ‬لا‭ ‬يشهدها‭ ‬أي‭ ‬سفر‭ ‬بري‭ ‬أو‭ ‬جوي‭ ‬بين‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬وجواره‭ ‬باستثناء‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬القبلة‭ ‬السياحية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ .‬

الان‭ ‬الدول‭ ‬المعنية‭ ‬بمخاوف‭ ‬انتقال‭ ‬الوباء‭ ‬المتفاقم‭ ‬في‭ ‬ايران‭ ‬إلى‭ ‬الجوار‭ ‬،‭ ‬تسعى‭ ‬لعزل‭ ‬نفسها‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬وضع‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬والتجارة‭ ‬مع‭ ‬ايران،‭ ‬تلك‭ ‬الإعادة‭ ‬أو‭ ‬المراجعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬اية‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تجريها‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬برغم‭ ‬حزمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬القاسية‭ ‬والحدّية‭ . ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬المعاقبين‭ ‬أمريكياً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬بسبب‭ ‬صلاتهم‭ ‬المالية‭ ‬واللوجستية‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬لم‭ ‬ترمش‭ ‬لهم‭ ‬عين‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتخذة‭ ‬ضد‭ ‬أموالهم‭ ‬وحرية‭ ‬السفر‭ ‬والتنقل‭ ‬،‭ ‬بسبب‭ ‬اعتقادهم‭ ‬أنّ‭ ‬إيران‭ ‬عنصر‭ ‬ثابت‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬عناصر‭ ‬متغيرة‭ ‬وعابرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ .‬

مرد‭ ‬عدم‭ ‬نجاح‭ ‬واشنطن‭ ‬بكل‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬تقطيع‭ ‬أوصال‭ ‬خط‭ ‬التعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬فسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬،‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬التعاطي‭ ‬الخاطئ‭ ‬المبكر‭ ‬للسياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وما‭ ‬أسفر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬أوبئة‭ ‬سياسية‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬تقوى‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬على‭ ‬مواجهتها‭ ‬اليوم‭ . ‬

ولعل‭ ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬انتكاسة‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬تعاط‭ ‬مقبول‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬الملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬معاملة‭ ‬العراق‭ ‬كمساحة‭ ‬صمّاء‭ ‬لتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬مقرر‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬عسكرية‭ ‬للاحتلال‭ ‬تشبه‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬نفذته‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بحث‭ ‬خصوصيات‭ ‬العراق‭ ‬كبلد‭ ‬وكرابط‭ ‬استراتيجي‭ ‬إقليمي‭ ‬،‭ ‬قابلة‭ ‬للانفجار‭ ‬والتأثير‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭. ‬وربما‭ ‬استندت‭ ‬الدوائر‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬عنصر‭ ‬القوة‭ ‬المتفوقة‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستعداد‭ ‬لصفحة‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ . ‬في‭ ‬أي‭ ‬منظار‭ ‬استراتيجي‭ ‬وعلمي‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬دعوة‭ ‬منحازة‭ ‬أو‭ ‬تحريضية‭ ‬،‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬مبررات‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬اليوم‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬فقدت‭ ‬الفرصة‭ ‬الثانية‭ ‬للأبد،‭ ‬وليس‭ ‬بيديها‭ ‬سوى‭ ‬استرضاء‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬بالترغيب‭ ‬والترهيب‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬حرب‭ ‬جديدة‭.‬