عبدالله السويجي

لبنان يعيش أزمة لا يُحسد عليها، أزمة يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي ولا مساعي لحلها. البعض يشكك بقدرة الحكومة الجديدة برئاسة د. حسان دياب على اجتراح معجزة أو تحقيق نقلة بسيطة جداً في الملفات الخاصة في الأزمات، فالأخبار الصادرة من ذلك البلد والمقالات والتعليقات ووسائل التواصل الاجتماعي توحي بأن لبنان مقبل على انهيار اقتصادي، ولا شك أنه سيُتبع بانهيار سياسي وسقوط الحكومة الجديدة، ولذا سيتحقق الفراغ الذي أبدى اللبنانيون خشيتهم منه طوال السنوات الماضية. لبنان، هذا البلد الجميل بطبيعته الخضراء، وبشعبه الذي يحب الحياة، يخرج منذ سنوات تزيد على العشرين، من أزمة ليدخل في أخرى، فإن لم تكن الأزمة خلافات بين أساطين السياسة والأحزاب والتنظيمات، فإنها في الحياة العامة، فمرة أزمة نفايات، وأخرى أزمة وقود، وثالثة أزمة أدوية، ورابعة أزمة كهرباء، والآن أزمة الدولار.

ولا تزال الأزمات المذكورة تطل برأسها بين حين وآخر، فيتظاهر الناس ليومين ثم تعود الحياة، أما أزمة الدولار، فهي خطيرة جداً، خاصة أن التقارير تتحدث عن تراجع كبير في قيمة الليرة اللبنانية، إذ كان الدولار يساوي 1500 ليرة، والآن يتراوح بين 2000 و2500 ليرة، وهو ما انعكس سلباً على أسعار المواد الأولية، وعلى قدرة الناس على التحويل إلى الخارج، وهناك أخبار تتحدث عن قيود على سحب الدولار من البنوك، وأن أصحاب الودائع خائفون ويخشون من ضياعها، كما أبدى مستثمرون عرب وخليجيون خشيتهم على استثماراتهم وودائعهم بعد الإجراءات الجديدة.

ووفق الأخبار القادمة من لبنان، لا تزال القيود مفروضة على تحويل مبالغ كبيرة بالدولار، إلا إذا تم تقديم أسباب وجيهة. أما في ما يتعلق بالأزمات السياسية، فيعتقد جزء من اللبنانيين أن الحكومة الجديدة هي حكومة ذات لون واحد، ولهذا تستمر التظاهرات اليومية التي تطالب بإسقاط الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وما يزيد من الشرخ السياسي بين اللبنانيين، بناء حزب الله تمثالاً لقاسم سليماني، ونصبه في قرية مارون الراس على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما جعل بعض السياسيين يتساءلون: «هل نحن في إيران أم في لبنان؟».
لبنان بلد صغير جداً مساحته (10425 كلم مربع)، ومدين بنحو 92 مليار دولار، ولهذا زاره وفد صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي لتقديم المشورة التقنية، وليس للمساعدة المالية. ويعتقد المحللون أن مقترحات الصندوق ستزيد الأمر سوءاً خاصة إذا تضمنت ضرائب جديدة، أما إذا دخل البنك الدولي على خط الأزمة، وقدم القروض، فإن لبنان سيكون رهينة لسنوات طويلة جداً للمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم بها دول كبرى، علماً أن لبنان بلد غير منتج الآن، والغاز المكتشف في سواحله لم يُستخرج بعد، وإذا أضفنا علاقته المتوترة مع دول عربية، فإن كل ذلك يهدد مستقبل هذا البلد المتخلف في بنيته التحتية وفي تطبيق القوانين والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية. ولن يتمكن لبنان من الوقوف على قدميه إلا إذا مدت دول الخليج العربية أو بعضها يدها ودعمته بمبالغ كبيرة تنقذه من التدهور.
أزمة لبنان ليست اقتصادية فحسب، وإنما سياسية بامتياز لكونه بلداً طائفياً حتى النخاع، ويبدو أن الثورة التي قام بها الشعب في ال 17 من أكتوبر / تشرين الأول 2018 لم تحقق أهدافها، وإنجازاتها معنوية أكثر من مادية، ويبقى الحل في أن ترفع الأحزاب اللبنانية يدها عن الحكومة، وتتوقف عن التدخل في إدارتها، وأن تحارب الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وأن تنشئ بنية تحتية متقدمة تجذب المستثمرين، وهذه الخطوات ليست سهلة في ظل تراكم الخراب في إدارة الدولة، لكن المحاولة واجبة، وهذا ما يطالب به كثيرون، أي إعطاء الحكومة الجديدة فرصة للعمل.