أزراج عمر

ا توجد مسوغات إيجابية تطمئن المواطنين أن تعديل الدستور سوف يؤدي إلى بناء مناخ لدولة عادلة، لأن مرحلة الرئيس تبون لم تحدث أي نقلة نوعية لتجاوز الثقافة السياسية الجزائرية السلطوية التقليدية.

محاولات لتدجين الحراك

النظام الجزائري لا يزال يصر على إنتاج مفارقة لا تنطلي على أحد حيث أنه يعمل راهنا وبشكل كامل ببنود دستور مرحلة عبدالعزيز بوتفليقة المرفوض شعبيا، وفي نفس الوقت نجد مؤسسة الرئاسة تدعو إلى تعديله بحجة أنه لم يعد صالحا.

ففي هذا الأسبوع عادت قضية تعديل الدستور الجزائري إلى المسرح السياسي مجددا بعد أن صرَح الرئيس عبدالمجيد تبون الأحد الماضي أن الهدف من ذلك هو “بناء دولة قوية وتجنيبها الاضطرابات التي تنخر البلدان الشقيقة والصديقة رفقة العديد من دول العالم الذي يشهد تحولات عميقة”، ولكنه لم يذكر في هذا التصريح ماذا يعني بالدولة القوية، كما أنه لم يسمّ الدول الشقيقة والصديقة التي تشهد الاضطرابات باستثناء الجزائر حسب زعمه.

علما أن معظم الدول المغاربية باستثناء ليبيا لا تشهد أي اضطرابات عاصفة مقارنة بما تشهده الأزمة الجزائرية العميقة من تدهور والتي ما فتئت تتفاقم وتنذر بانزلاقات لا تحمد عقباها، فضلا عن استمرار نفس المشكلات الكبرى التي تشكل البنية الجوهرية للأزمة الجزائرية.

ولا شكَ أن النظام الجزائري يريد أن يواصل تعميق هيمنته بواسطة جزرة تعديل الدستور بعد أن تمكن من مراوغة الحراك الشعبي ومرَر الانتخابات الرئاسية لصالحه، ولكن مثل هذه المحاولات قد تؤدي إلى تدجين الحراك الذي لا يزال يواصل تظاهراته كل يوم جمعة، ويبدو أنه قد يلجأ إلى آليات أكثر نجاعة لفرض مطالبه على السلطات.

من الواضح أن سلوك النظام الجزائري لم يتغير حتى هذه اللحظة رغم ما حدث ولا يزال يحدث من انتفاضات والدليل أن الإلحاح على تعديل الدستور يتم من قبل السلطات الحاكمة فقط، وهو الأسلوب الذي عودتنا به عهود الرؤساء السابقين وآخرهم عهد عبدالعزيز بوتفليقة الذي عدَل الدستور على مقاسه عدة مرات.

وفي الواقع لا توجد مسوغات إيجابية تطمئن المواطنين أن تعديل الدستور سوف يؤدي إلى بناء مناخ لدولة عادلة، لأن مرحلة الرئيس تبون لم تحدث أي نقلة نوعية لتجاوز الثقافة السياسية الجزائرية السلطوية التقليدية، ولقد ظهر هذا جليا في احتكار الرئيس تبون لتشكيل الحكومة وتعيين نساء ورجال الدولة في المناصب العليا الحساسة دون إشراك الأحزاب المعارضة وتشكيلات المجتمع المدني والحراك الشعبي بشكل خاص، ولا شك أن الوعود ذات الطابع الاجتماعي الصرف لا تصنع الانفراج السياسي والجمهورية الجديدة التي يرفع النظام الجزائري شعارها.

في هذا السياق ينبغي التذكير أن لجنة الخبراء التي كلفها تبون بصياغة مسودة الدستور الأولية، قصد عرضها على الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والشخصيات الوطنية في آجال محددة، هي لجنة غير محايدة أو ممثلة لمختلف الحساسيات السياسية، وبسبب ذلك فإن الرأي العام الوطني يعتبرها غير نابعة من العمق الشعبي. بسبب كل هذا فإن عرض مسودة الدستور في مدة أقصاها شهرين على البرلمان لا معنى له خاصة إذا علمنا أن أعضاء هذا البرلمان نفسه، وفي المقدمة مجموعة الأعضاء المعينين بقرار صادر عن الرئيس السابق بوتفليقة وحاشيته في إطار الثلث الرئاسي التعسفي.

والحال أن التناقض الصارخ الجوهري الآخر الذي يهدد مصداقية عملية تعديل الدستور يتمثل في عدم إشراك ممثلين عن القواعد الشعبية على مستوى التنظيمات التابعة للمجتمع المدني المستقل، والمؤسسات الوطنية ذات الطابع العلمي مثل الجامعات ومراكز ومخابر البحث، والحراك الشعبي والجالية الجزائرية المقيمة بالخارج والمختصين المحايدين في القانون الدستوري المعروفين بنزاهتهم وعدم ارتباطهم بالنظام الحاكم ماديا وأدبيا، ويتمثل أيضا في غياب الانفراج السياسي بسبب استمرار عناصر الأزمة التي فجرت الأحداث منذ 22 فبراير 2019، وكذا إصرار النظام الجزائري على إبقاء سجناء الرأي في السجون، واللجوء حينا آخر إلى تطبيق إجراءات غير موفقة وتتمثل في تسريح بعضهم بالتقسيط وبشروط قاسية كما حصل، مثلا، مع المجاهد لخضر بورقعة الذي لم أرد له ألا يظهر في المشهد السياسي كفاعل منذ إطلاق سراحه إلى اليوم.

في ظل هذا الوضع يرى المراقبون السياسيون أن تصريح الرئيس تبون الذي قال فيه إن “فكرة تعديل الدستور” تمثل “خطوة أساسية نحو الجمهورية الجديدة” هو نوع من التفكير الرغبي الذي ليس له سند في واقع الحياة السياسية الجزائرية الراهنة، وذلك لأن شروط قيام مثل هذا النوع من الجمهورية الجديدة غير متوفر في الجزائر على جميع الأصعدة وفي المقدمة غياب مرتكزات التوافق الوطني المنسجم، والمؤسسات الديمقراطية ورأسمال ثقة الشعب بالمسؤولين، فضلا عن انعدام مشروع عصري واقعي وجدي يضمن التغلب على شبح فقر مناطق الظل في الجزائر العميقة.