وحيد عبد المجيد

تبدو فرصة عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز في الحصول على ترشيح «الحزب الديمقراطي» في الانتخابات الرئاسية أكبر من زميلته اليزابيث وارين، وهما المتنافسان الأكثر ميلاً إلى اليسار. والفائز في السباق التمهيدي الذي انطلق مطلع الشهر الماضي داخل هذا الحزب سيواجه الرئيس ترامب في 3 نوفمبر القادم. ويطمح ساندرز ووارين، وغيرهما من المتنافسين مثل جو بايدن وبيت بوتيدجيج ومايكل بلومبيرج، إلى نيل ترشيح الحزب الديمقراطي.
ورغم ميل كل من ساندرز ووارين إلى اليسار، فإن تباينات ملحوظة تفصلهما، بحيث يصح القول إنهما يتبنيان توجهات يسارية بطريقتين مختلفتين. لذا لا يكفي هذا الميل السياسي الفكري الذي يجمعهما لتجنب مشاحنات تحدث بينهما، ليس فقط لأنهما يتوجهان إلى الشرائح نفسها من ناخبي الحزب، ولكن لاختلاف ما يطرحه كل منهما في إطار توجهه اليساري. ترفض وارين أن تُصنف اشتراكيةً، وتقول أحياناً إن برنامجها إصلاحي يهدف إلى تصحيح النظام الرأسمالي وليس استبداله، بخلاف ساندرز الذي لا يعترض على تصنيفه اشتراكياً ديمقراطياً.

وتبدو وارين أكثر تحفظاً فيما تطرحه في مجال الإصلاح الاجتماعي من ساندرز. وعلى سبيل المثال لا تتعهد، بخلاف ساندرز، بتحقيق مجانية التعليم الجامعي، بل تطرح خفض الرسوم التي يدفعها الطلاب، وإلغاء الديون المستحقة على بعضهم في هذا المجال. كما أن حديثها عن توسيع نظام الرعاية الصحية يبدو غامضاً فيما يتعلق بمدى التوسع الذي تقصده، وهل يعنى حصول جميع المواطنين على هذه الخدمة، ?وبأي ?شروط. لكنها تقترب من ساندرز في تبنيها فرض زيادة كبيرة في الضرائب على الشرائح الأكثر ثراءً. كما تتعهد بتشديد الرقابة على القطاع المصرفي لتجنب أزمات قد يتسبب بها كما حدث عام 2008.

وإذا كانت هذه هي البنود الأكثر راديكالية في برنامج وارين، فهو برنامج إصلاحي فعلاً يهدف إلى تصحيح اختلالات النظام الرأسمالي الأميركي، ولا يسمح بتصنيفها اشتراكية.
ويتطلب تقييم برنامج ساندرز فحصاً متأنياً لأنه يميل إلى اليسار بوضوح، على نحو يجعل السؤال عن اشتراكيته مشروعاً. ويمكن تحديد بنود برنامج ساندرز في ستة؛ أولها توفير تمويل فيدرالي للجامعات لجعل التعليم الجامعي مجانياً. وهو، هنا، لا يريد تحميل الجامعات أعباء قد تؤدي إلى تدهور في مستوى التعليم الذي يعرف مدى قيمته، بل يسعى إلى تمويل مجانية التعليم الجامعي من أموال دافعي الضرائب الأكثر ثراءً. لذا، ينصب البند الثاني في برنامجه على زيادة معدلات الضرائب على الفئات والشرائح العليا والوسطى، التي تحصل على دخول مرتفعة، دون أن يحددها بدقة. أما البند الرئيسي الثالث فهو السعي إلى ضبط إيجارات المنازل، والتزام الحكومة الفيدرالية بإيجاد تمويل لبناء مساكن للفئات الأقل دخلاً. ويأتي البند الرابع ليكمل منظومة الخدمات التي يتطلع ساندرز لإجراء تغيير كبير فيها، إذ ينصب على إقامة نظام رعاية صحية شامل للجميع. وهو يطرح رؤيته هنا بوضوح لا يُبقي مكاناً لغموض من النوع الذي يشوب تصور وارين لهذه القضية. لكن رؤية ساندرز في هذا المجال تبدو معتدلة، لأن «النموذج» الذي يرنو إليه هو نظام الرعاية الصحية البريطاني. وقد نجد في هذه البنود الأربعة مزيجاً من توجه اشتراكي ديمقراطي على الطراز الأوروبي، وميل رأسمالي إصلاحي. أما البندان الباقيان، ففي كل منهما ميل أكبر نسبياً باتجاه الاشتراكية الديمقراطية. يتعلق البند الخامس بتأميم قطاع الطاقة، وهو القطاع الوحيد الذي يتبنى نقل ملكيته إلى الدولة. أما البند السادس فهو تخلي الشركات الكبرى عن حصة معينة من أسهمها لمصلحة العاملين فيها، أي منحهم ما يسميه ملكية جزئية فيها.

ورغم أن برنامج ساندرز يجمع بين الاشتراكية الديمقراطية والإصلاح الرأسمالي، على هذا النحو، فربما جاز اعتباره أول محاولة لطرح رؤية اشتراكية أميركية. فهل يستطيع تسويقها في مجتمع بقيت كلمة «اشتراكية» مستهجنة فيه لفترة طويلة؟ سؤال سيفرض نفسه في الحملة النهائية للانتخابات الرئاسية إذا تمكن ساندرز من مواصلة تقدمه الحالي.