حسن مدن

كان يمكن للصوت العربي داخل «إسرائيل» أن يكون معطلاً ومهمشاً كلية، لولا أن النخبة السياسية والحزبية والثقافية الفلسطينية هناك كانت على درجة عالية من النضج السياسي، جعلها تدرك، باكراً ومنذ قيام دولة الاحتلال، ضرورة أن تخترق آلية التمثيل الانتخابي المتاحة، وأن تحرص على أن يكون لها تمثيل في المجالس المنتخبة، سواء في البرلمان «الكنيست» أو في المجالس البلدية، مستندة في ذلك على القاعدة الانتخابية العربية المؤثرة، والفضل الأكبر في ذلك يعود، بداية، إلى «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، التي ضمّت أيضاً يهوداً معادين للصهيونية، وأرست قواعد مثل هذا النهج الذي تسير عليه اليوم أغلبية التنظيمات الفلسطينية- إن لم يكن كلها- على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية.

ومع أن من تبقى من الفلسطينيين داخل الكيان أقلية قياساً إلى اليهود المستجلبين من مختلف بقاع الأرض، وبالتالي فإن من يمثلهم في تلك المجالس ظلوا أقلية، لكن صوت ممثليهم في «الكنيست» والبلديات ظلّ مدوياً لا في الدفاع عن حقوقهم كمواطنين، وإنما أيضاً عن الحق الوطني الفلسطيني في معناه الشامل ضد العنصرية والتوسع الصهيونيين، ومع ازدياد الوزن العددي لمن بات يطلق عليهم، تجاوزاً، عرب 1948، فإن تأثيرهم يزداد، وتتسع، بالمقابل، دائرة تمثيلهم، خاصة مع حرصهم في المرحلة الأخيرة على الترشح ضمن قائمة واحدة لمنع تشتت الأصوات العربية، وهو ما حفّز، أيضاً، على مشاركة عربية واسعة في التصويت.

النتائج الأولية للانتخابات الأخيرة في «إسرائيل» أظهرت تقدماً غير مسبوق للقائمة العربية المشتركة، التي حصدت، مبدئياً، 15 مقعداً، ما يجعل منها القائمة الثالثة في «الكنيست»، يضاف إليها مقعدان آخران لفائزين عربيين ضمن القوائم اليهودية، ما يجعل مجموع النواب العرب في «الكنيست» 17 نائباً بينهم أربع نساء، وهو فوز وصفه أيمن عودة الناطق باسم القائمة ب«المكسب التاريخي»، فيما وصفته دوائر صهيونية ب«الزلزال».

صحيح ما تذهب إليه التحليلات من أن أحد عوامل هذا الفوز رغبة الفلسطينيين في منع نتنياهو من تشكيل الحكومة المقبلة، كخطوة ضرورية لمواجهة «صفقة القرن»، والتي تشمل، فيما تشمل، نزع الجنسية من المواطنين العرب في منطقة المثلث، التي يقطنها نحو 350 ألف عربي، ضمن منهج تكريس «يهودية» الدولة العبرية، خاصة مع تنامي القوة الديموغرافية للعرب فيها، ولكنّ للأمر أبعاداً أوسع وأبعد، تشير إلى أن «فلسطيني الداخل» يغدون أكثر فأكثر قوة مؤثرة في مجمل النضال الفلسطيني لإفشال مخططات تصفية الحق الوطني الفلسطيني، وإجبار الفلسطينيين على التسليم بواقع مذل، لن يرضوه ولن يسمحوا بفرضه.