بول شاؤول

ألغت إسبانيا مؤخراً مشاركة أيقونة الغناء الأوبرالي «بلاسيديو دومينغو» عرضين مقررين له في مايو المقبل على مسرح «تارتويلا» الوطني في مدريد بعدما أدانته المحكمة بتحرشات طالت نحو عشرين امرأة.
وفي الوقت ذاته تقريباً أصدرت سارة «أبيسبتول» (بطلة التزلج الفني على الجليد وحاملة أوسمة عديدة في انتصارات بأوروبا والعالم) كتاباً بعنوان «كنت خجلة جداً»، وقد صرحت في إحدى الصحف الفرنسية: «نعم أنا خجلة جداً من صمتي عندما طلب مني السكوت. لكن بعد قيام حركة Me Too (وأنا أيضاً) النسائية في الأوساط الفنية والثقافية قلت في نفسي، آن الأوان لأتكلم وانتقم: نعم خجلة لأنني تعرضت للاغتصاب على امتداد خمس عشرة سنة من مدربي».
وخلال الآونة الأخيرة أيضاً دِينَ المنتج الأميركي «هارفي ونستين» بجرم الاعتداءات الجنسية على عشرات الفنانات في هوليود قدر عددهن بنحو ثمانين.
وقبل نحو عدة سنوات تم القبض على الداعية الإسلاموي المزيف طارق رمضان لثبوت التحرش والاغتصاب لنحو عشرين امرأة... ومثل هذه الفضائح والانتهاكات حدث كثيرها ويحدث أيضاً في ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وبلدان أخرى.
هذه الارتكابات تمت في العالم الثقافي والرياضي والفني والمفترض أنه يحمل المبادئ والقيم الأساسية للتعادل والمساواة والاحترام والرفعة. لكن السؤال الكبير: ما الذي جعل الضحايا من النساء (وأيضاً أحياناً من الرجال) تلتزم الصمت تقبل ما تتعرض له بخنوع وذل؟

أكان يجب أن ينتظرن حركة Me Too لتحل عقدة ألسنتهن ويتحررن من الخوف والتابوهات أو الخجل أو الشعور بالعار.

لكن نظن أن السب الأساسي لمثل هذه الظواهر الموجودة منذ فجر التاريخ هو الخضوع (أو الخضوع لمبدأ الخضوع). الخضوع المفروض في تلك الأوساط سواء خضوع الضرورة أو الحاجة أو الطوعي أو الإكراه المباشر. خضوع الذكورية على الأنوثية (هناك فارق بين الذكورية والرجل وبين الأنثى والمرأة) فمدرب راقصة الجليد كان يتمتع أو يحتمي بعدة سلطات عليها، سلطته كرجل سلطته كمدرب وسلطته كجزء من المؤسسة الفنية والمنتجة والمستثمرة، ومن المؤسسة الاجتماعية السائدة التي تخشى قبول هذه الفضائح فتدفنها في مهدها، وسلطته المهنية المفضية إلى طموحات المتزلجة وأحلامها.

وتتعدد أسباب الصمت والقبول في اتجاهات مختلفة عند الضحية إما الوقوع تحت إغراء المال والشهرة والمناصب، أو تحت سحر النجوم الكبار ك«دومينغو»، أو طارق رمضان، أو السقوط في طرق استدراجهن، ومن ثمّ تهديدهن وتكميم أفواههن أو شراء صمتهن أحياناً بالمال والوعود.. وترتبط هذه الظاهرة بطبيعة البيئة وآفاقها وقوانينها من فنية أو رياضية أو مهنية أو سياسية أو دينية أو أيديولوجية. لكنها تختزل في كليتها مسألة السلطة سواء الكامنة أو السافرة. والسلطة هي المُخضع والقوة الحاسمة والمخيفة. ليس فقط سلطة الرجل على المرأة بل أيضاً سلطة المرأة على الرجل أحياناً. وسلطة الأقوى على ألأضعف في المجالات الشتى. فالقضية تتجاوز مسألة الجنس إلى المجتمع بتكاوينه وأعرافه وطبائعه وموروثاته.
صحيح أن هذه الفضائح اكتشفت في أوكار فنية وثقافية، لكن لو لم تكن البيئة العمومية في جذورها متعاطفة ومتواطئة مع مثل أشكال الخضوع هذه لما استمرت واستفحلت وسكت عنها وقُبلت وبُررت.