حمد الماجد

فيروس كورونا أصاب بورصات الأسهم فانهارت، وانتقلت عدواه لأسعار النفط فانحدرت، وتسلل للشركات فأفقرت، وتغلغل في المطارات فأقفرت، وتوارى في المدارس فعُطلت، وبأماكن العبادة فهُجرت، ودخل في الملاعب فتُركت، وقعد في صالات الحفلات فنُسيت. الطائرات في المدرجات رابضة، والمنتجعات خالية، والشواطئ مقفرة. اكتظت المستشفيات فكأنما حشرهم «كورونا» إليها حشراً. تحرش بالدول فتقاطعوا، وتدابروا وتخانقوا، أفلست شركات، وخسرت صفقات، وتلاشت فرص، وأطلت فتن. أخذوا الفيروس للمعمل وطرحوه على المشرحة، وتجمهر عليه العلماء والأطباء والكيميائيون والصيادلة، وكل من له دعوى ضده فَقَلَّبُوه ذات اليمين وذات الشمال، يرقبونه آناء الليل وأطراف النهار، وعيناه ترمقانهم بالتحدي وبشيء من الازدراء وعدم الاكتراث، واضعاً رجلاً على رجل، ويكاد يشعل سيجارة غير آبه بهم ولا بمعاملهم وتخصصاتهم وقدراتهم، وسبحان من جعل سرَّه في أضعف خلقه.


فيروس كورونا جنن السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين والاجتماعيين والرياضيين والنفسيين، فدب بينهم خلاف أشد من خلاف مشجعي مجنونة الملايين، فريق يهول فيحذر ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، يتنبأ بإفلات فيروس كورونا من السيطرة، لتنفلت معه إحصاءات الموت المرعبة، فتصل إلى 100 مليون، فيتكبد الجنس البشري بعدها خسائر اقتصادية فادحة تأكل أخضر اقتصاد العالم ويابسه، حينها ستعم الفوضى، وتنتشر المجاعات، وتتشكل العصابات، ويفشو النهب، ويكثر قطع الطريق، وتشيع الاغتيالات، في وقت يتعب المختصون في سباق محموم مجهد مع الفيروس للقبض عليه وإعدامه بمصل، بدون جدوى.

والفريق الآخر يهوّن، فيرى أن فيروس كورونا أقل خطراً من إخوانه من الفيروسات الأخرى، بل إن عدد ضحايا فيروس الإنفلونزا أضعاف فيروس كورونا الجديد، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، كما أن شريحة من المهونين أصابها فيروس المؤامرة، فيرى بعضهم أنها مؤشرات لمعركة في حرب بيولوجية قادمة قد تفني أغلب البشرية، وتقرب الباقي منهم لعلامات الساعة الكبرى، ويرى آخرون أن حكاية فيروس كورونا (بيزنس في بيزنس)، تقوم جهة ما بإفلات فيروس، ثم تتريث لمنحه الفرصة ليفتك بعدد من البشر وعدد من الاقتصادات، فيصيب الناسَ الهلعُ فيهرعون في البحث عن ترياق لهذه المصيبة الفيروسية القاتلة، وهنا يأتي القطاف عند من أفلت الفيروس ليصنع مصلاً يغرسه في الأجساد لتدر على جيوبهم المليارات.

والموقف الصحيح بالتأكيد بعيد عن تهويل المهولين وتهوين المهونين، فالمهولون يزرعون الهلع والفزع، وهذا أس البلاء وبذرة الفوضى والدافعة للاضطرابات، وهذا بالتحديد ما حمل النيابة العامة السعودية على إيقاع عقوبات شديدة على مروجي الإشاعات وصانعي الهلع تصل إلى حد السجن 5 سنوات و3 ملايين ريال غرامة، وأما المهونون المنفلتون فيساهمون بتراخي الناس عن الحيطة والحذر والأخذ بأسباب الوقاية والعناية الصحية، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة، وتحول الفيروس إلى وباء، وأما الموقف الصحيح فيعطي الموقف ما يستحقه، ويستخدم عبارات موزونة منتقاة، تأخذ في الحسبان نفسية الجماهير من غير تهوين ولا تهويل.