وائل مهدي

أكثر سؤال تردد خلال الأيام الماضية، هو هل سيصل سعر نفط «برنت» إلى 20 دولاراً في 2020، بعد انهياره إلى 35 دولاراً، أي بنحو الثلث، منذ أن فشلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها في تحالف «أوبك +» في الوصول إلى اتفاقٍ الأسبوع الماضي؟

قبل الحديث عن سعر البترول، لنتحدث قليلاً عن ما جرى في اجتماع «أوبك +»، ولماذا اختلفت روسيا مع «أوبك»، وجرى ما جرى.
كلنا يعلم أن الاقتصاد العالمي الآن يواجه ظروفاً صعبة بسبب وباء «كورونا»، مما جعل «أوبك» تتوقع أن يكون النمو على الطلب في النفط عند مستوى صفر في المائة تقريباً هذا العام. وفي الوقت ذاته عند الأسعار السابقة قبل الاجتماع عند 50 دولاراً، فإن الإنتاج من خارج «أوبك» مرشح للارتفاع بنحو 1.76 مليون برميل يومياً عن مستوى العام الماضي. أي أن السوق يجب أن تشهد تخفيضات بنحو 1.5 مليون برميل على الأقل حتى تتوازن، ويتصدى التحالف لـ«كورونا».
لقد دخل الوزراء إلى الاجتماع في فيينا، وهناك اتفاق واضح بينهم على أن هناك حاجة لاستمرار الاتفاق الجاري بين الدول، والمعمول به حتى نهاية شهر مارس (آذار) الحالي. بموجب هذا الاتفاق، فإن الدول اتفقت في ديسمبر (كانون الأول) على أن يخفضوا إنتاجهم بنحو 1.7 مليون برميل يومياً. ولدعم الاتفاق، تعهدت المملكة بتخفيض إضافي فوق حصتها بنحو 400 ألف برميل، ليصل إجمالي التخفيض إلى 2.1 مليون برميل يومياً.


للأسف لم يتفق الجميع على تخفيض 1.5 مليون برميل يومياً، وانهار الاتفاق، وخرج الوزير الروسي ألكساندر نوفاك، ليعلن للصحافيين أنه ابتداءً من 1 أبريل (نيسان) يحق للجميع فعل ما يرونه مناسباً، وبيع ما يريدون بيعه. وبناءً على هذا، قررت وزارة الطاقة السعودية الطلب من «أرامكو» السعودية إغراق السوق بالنفط السعودي، وتقديم تخفيضات كبيرة للزبائن بواقع 4 إلى 6 دولارات لآسيا، و7 دولارات لأميركا. هذه التخفيضات تخدم هدفين؛ الأول هو الحفاظ على حصة السعودية السوقية، ودعم هوامش التكرير للمصافي التي تعاني من ضعف الطلب عبر الوقود.

قد يقول البعض ما المشكلة إذن؟ حيث إن الأرقام واضحة، وعلى الدول أن تستمر في الخفض. وإذا أضفنا 1.5 مليون برميل إلى 2.1 مليون، فإن الرقم المطلوب لتوازن السوق هو 3.6 مليون برميل يومياً. وسبق لـ«أوبك» في 2008 أن خفضت أكثر من هذا الرقم بدون الرجوع إلى روسيا، وغيرها، عندما اتفقت «أوبك» في وهران على خفض 4.2 مليون برميل يومياً في ذلك العام لتفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية.
ما الذي تغير، ليجعل الدول تضحي بدخل كبير لها، وترك الأسعار تنهار؟ المشكلة هي أن بعض الدول لا تلتزم بالتخفيضات، وفي حالة الوصول إلى اتفاق جديد ستكون السعودية التي تتحمل كامل العبء. كما أن السوق تغيرت، ففي عام 2008 لم يكن هناك إنتاج مهم من خارج «أوبك»، وكانت «أوبك» هي صاحبة الطاقة الإنتاجية المؤثرة. أما اليوم فإن المنتجين زادوا، وأي تخفيض من «أوبك» لا يقابله تخفيض من خارج «أوبك»، معناه فقدان حصة سوقية لا أكثر، لأن الأسعار لن تتغير، وبهذا تفقد «أوبك» الأسعار والحصة مثلما حصل في منتصف الثمانينات.

لهذا لم يكن لدى السعودية ما تفعله في الاجتماع الماضي سوى أن تدافع عن حصتها. وفي ضوء هذا بدأ الجميع الدفاع عن الحصص، وإطلاق حرب الأسعار من خلال التخفيضات. لكن روسيا لا تستطيع الصمود في حرب حصص سوقية على الأرض مع السعودية، لأن روسيا لن تتمكن من إضافة أكثر من 200 ألف برميل في أبريل، حسب تصريحات نوفاك، أمس الجمعة، فيما ستضيف المملكة عشرة أضعاف هذا الرقم للسوق.
السؤال المنطقي هو: لماذا لم تشارك روسيا بعد كل هذا؟ الإجابة المنطقية الوحيدة هي أن روسيا لديها تصفية حسابات مع منتجي النفط الصخري في أميركا، الذين يتحكمون اليوم في السوق، وينافسون روسيا في آسيا، ولو بصورة بسيطة. ولو تمكنت روسيا من ضرب النفط الصخري، فسيكون لها ورقة تفاوض كبيرة مع الرئيس الأميركي، لأن غالبية شركات النفط الصخري في تكساس؛ وهي إحدى أهم الولايات في السباق الرئاسي الأميركي.

إن تكلفة إنتاج برميل النفط في روسيا بين 10 إلى 12 دولاراً (12 دولاراً لشركة «روسنفت» الأكبر هناك)، بينما تصل في السعودية ما بين 3 إلى 4 دولارات، ولكن المشكلة في أسعار تعادل الميزانيات هذا العام، حيث تحتاج روسيا 42 دولاراً للبرميل، وتحتاج السعودية وكثير من دول «أوبك» ضعف هذا الرقم... ولهذا فإن الهبوط لا يضر الإنتاج، ولكن يضر الميزانيات.
والآن هل سيصل سعر برنت إلى 20 دولاراً؟ لا، لأن أرضية الأسعار يحددها المنتجون الهامشيون، وهؤلاء اليوم تكلفة إنتاجهم تظل في حدود 35 دولاراً على الأقل. لكن مع التخفيضات الحالية، فإن سعر بيع السعودية لخامها العربي الخفيف إلى أوروبا وغيرها سيصل إلى العشرينات، وسيذهب كل هذا النفط الرخيص إلى المخزونات مع انخفاض الطلب.