عبدالجليل معالي

التصدع الذي شهده حزب قلب تونس، بإعلان استقالة 10 من أعضاء كتلته البرلمانية، ليس شأنا حزبيا صرفا، بل هو تعبير مختصر عن الحالة السياسية التونسية في معادلاتها الجديدة، ذلك أن استقالة نواب قلب تونس من الحزب، تشير إلى أزمة الأحزاب الانتخابية، وتدلّ على حالة سياسية متكررة تتصل بتبعات كل تحالف مع حركة النهضة، كما تعني أن حكومة إلياس الفخفاخ أصبحت في مأمن نسبي من الخناجر التي تتربص بها.

نبع حزب قلب تونس من ارتجال سياسي قام على التقاء متعجّل بين العمل الخيري والقوة الإعلامية، حيث «انشقّ» نبيل القروي، رئيس جمعية خليل تونس وصاحب قناة نسمة التلفزيونية، عن حزب نداء تونس، وركز على العمل الخيري، ومن ثمة تسلل مجددا إلى العمل السياسي، وترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حتى وصل إلى الدور الثاني في الرئاسيات، ونجحت قوائمه البرلمانية في أن تصبح الكتلة الثانية في البرلمان.

المعلن في دواعي استقالة نواب قلب تونس أنها نابعة من أسباب متداخلة، أهمها: عدم الرضا عن إدارة الحزب وسياساته، وفي ذلك إشارة إلى تحالف الحزب مع النهضة.

كان حزب قلب تونس دليلا على تقلب حركة النهضة وتناقض مواقفها، إذ وقفت ضد نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية، ودعمت قيس سعيّد مرشحا رئاسيا قريبا من هوى أنصارها وغير متناقض مع برامج قياداتها، ثم غيّرت، بسرعة، من مواقفها أثناء مشاورات تشكيل الحكومة، واشترطت وجود قلب تونس في الحكومة ودونه يتعثر تشكيلها.

اشتراط النهضة لحزب قلب تونس شريكا أساسيا غيّر موازين القوى السياسية وأجّل ولادة الحكومة، لكنه لم يحم الحزب من آثام التحالف الملغوم وأعراضه.

وفي ذاكرة السنوات الأخيرة دروس مستفادة تشير إلى نتائج الاقتراب من النهضة؛ حصل ذلك مع التكتل الوطني للعمل والحريات ومع المؤتمر من أجل الجمهورية، ثم مع نداء تونس وأخيرا مع قلب تونس، وكل حزب اقترب من النهضة أصيب بتصدعات امتعاض داخلي من تحالف يقفز على التناقض مع الحركة الإسلامية، أو يخرجها من العزلة.

لا يسير المشهد السياسي التونسي وفق قواعد سياسية سويّة، وتصدع قلب تونس ليس خبرا محليا، بل هو حدث مثلث الأضلاع؛ يعكس أثر الارتجال في بناء الأحزاب، ويؤشر إلى أن التحالفات النفعية قد تفتح طريق الحكم لكنها تؤدي إلى ارتطام سياسي حتمي، ويشير إلى أن أسباب الولادة العسيرة للحكومة يمكن أن تتحول إلى عوامل نجاتها من وأد كان منتظراً.