حسن مدن

حين توفي الروائي الكبير إميل حبيبي عرفت الناصرة وما حولها أن رفيقه محمود درويش آتٍ من الضفة الغربية لتقديم واجب العزاء. كانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها عازف العود الشاب سمير جبران بمحمود الذي قصد بيتهم الملاصق لبيت حبيبي للسلام على والدته. كان لقاء يمكن وصفه بالعابر.

بعد سنوات دعي سمير لإحياء حفل موسيقي في مدينة في الجنوب الفرنسي. هناك تلقى اتصالاً من ليلى شهيد، سفيرة فلسطين في باريس، تطلب منه مرافقة محمود درويش بالعزف على العود في أمسية سيُحييها في نفس القاعة التي أتى سمير لإقامة حفلِه فيها.
سبق لسمير جبران أن رافق سميح القاسم وتوفيق زياد في أمسياتهما الشعرية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، منذ أن كان فتى صغيراً، لكن بالنسبة له، فإن مرافقة محمود بالعزف مبعث سعادة وقلق في الآن ذاته. وتحوّل هذا القلق إلى توتر حين التقى بدرويش قبل الأمسية بقليل، فأظهر له عدم ارتياحه؛ لأن يصاحب إلقاءه للشعر عزف موسيقي، «فالشعر لا يحتاج إلى وسيط»، وألقى باللائمة على ليلى شهيد؛ لأنها «ورطته» في هذا الترتيب، وطلب من سمير ألا تزيد مدة عزفه بين فقرات إلقائه لقصائده على أكثر من ثلاث دقائق، وأن يتوقف عن العزف لحظة أن يبدأ هو بإلقاء الشعر ثانية، محذراً إياه: «إن لم تلتزم بذلك سأنزلك عن المسرح».
لم يكمل سمير الدقائق الثلاث وهو يعزف لشدة قلقه، وبدأ درويش في إلقاء الشعر نحو عشرين دقيقة، ثم أومأ إليه بأن دوره في العزف قد انتهى. مرّت دقيقة على معاودته العزف حين عاد درويش لقراءة الشعر. «كانت تلك من أصعب اللحظات في حياتي»، يقول سمير. هل كان عليه أن يواصل أم يتوقف؟

لتحاشي رؤية ما قد يكون غضباً من درويش، أغمض جبران عينيه وراح يعزف ما وصفه بالأقرب إلى التنويع على شهيق الشاعر. وبعد خمس دقائق نظر ناحية درويش فأتته إيماءة منه بأن يستمر في عزفه وهو يقرأ، لتبدأ بهذه الأمسية رفقة بين درويش وعازف العود ابن الناصرة استمرت حتى آخر أمسية أقامها درويش.
هذا بعض ما حكاه جبران في حديث مع فضائية «فرانس 24»، قائلاً، إنه لا ينسى وصية درويش له حين دعاه إلى الحرص على ألا يكون تصفيق الجمهور له بصفته ضحية أو بصفته بطلاً، محذراً من ضغط الهوية على المبدع الفلسطيني، داعياً إياه إلى أن يعمل على نيل رضى الجمهور عن إبداعه، لا التصفيق لهويته.