عبدالله بن ربيعان

كنت أول من كتب عن حزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مقالة نشرتها مجلة "تجارة الرياض"، بعد توليه سدة الحكم بأسبوعين فقط. وحقيقة، أن من يعرف ملك الحزم والعزم ويقرأ سيرته الطويلة في إمارة الرياض، وفي حكم المملكة، لا يستغرب قيامه بمحاربة الفساد وإيقاف المفسدين عند حدهم.

ولا شك أن الجميع يتذكر بابتهاج وفرحة ما قام به خادم الحرمين الشريفين في بدايات نوفمبر 2017 بإصدار أمره الكريم؛ بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد، وإعطائها الصلاحيات كافة لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم من إجراءات مع المتورطين في قضايا الفساد، وكان من جهود هذه اللجنة استعادة ما يزيد على 100 مليار ريال، استردتها من بعض الأسماء التي ضمتها قائمة "الريتز" الشهيرة.
وقال خادم الحرمين الشريفين حينها، وفي أمره بتشكيل اللجنة، إنه "لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام"، وهي كلمات قليلة تختصر ما يتفق أكثر من 20 مليون مواطن سعودي على قوله عن الفساد وآثاره المدمرة في المجتمع.
مكافحة الفساد أيضا من القضايا التي أولاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جل اهتمامه، فقال بصريح العبارة في لقائه المتلفز مع داود الشريان، "أنا أؤكد لك بأنه لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، أيا من كان، لن ينجو سواء وزيرا أو أميرا أو أيا كان، أي أحد تتوافر عليه الأدلة الكافية سيحاسب".
في امتداد لنهج محاربة الفساد الذي أرساه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده؛ أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد هذا الأسبوع احتجاز 298 شخصا بتهمة الفساد المالي والإداري؛ وتمثلت جرائمهم في الرشوة، واختلاس وتبديد المال العام، واستغلال النفوذ الوظيفي، وسوء الاستعمال الإداري، وبلغ إجمالي المبالغ التي أقر بها المتهمون حتى الآن 379 مليون ريال، ويجري العمل على إحالتهم إلى المحكمة المختصة، بحسب البيان الصادر عن الهيئة.
اقتصاديا، قلت وكتبت أكثر من مرة، إنه لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة ومستدامة واستقطاب للاستثمار الأجنبي وإغراء للأموال المهاجرة بالعودة إلى بيئة يتفشى فيها الفساد، فالفساد يضعف الثقة بالاقتصاد وبتطبيق القوانين وبعدالة الإجراءات والضرائب والإعفاءات، ما يعيق بيئة الاستثمار والتجارة بشكل سلبي جدا.
والأسوأ، حينما يتفشى الفساد بين كبار الموظفين والمسؤولين ورجال الأعمال ووجهاء المجتمع، وهو ما يمكن تسميته فساد الطبقة المخملية، الأسوأ والأخطر على الاقتصاد، فالملاحظ أن فساد الصغير لا يتعدى شخصا أو شخصين، لكن فساد المسؤول الكبير؛ يوجد طبقة كاملة من الفاسدين تحته، ما يعني تكاثر الفساد وانتقاله من الطبقة الأعلى إلى الطبقة الأدنى، فالأدنى، وهكذا.
عودة إلى إعلان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد هذا الأسبوع، فلا شك جهودها مميزة ومفرحة لكل سعودي يهمه تنمية وطنه ومستقبل أجياله، فلا يمكن للتنمية أن تنجح وتقوم في بيئة يعشعش فيها الفساد، ولا يمكن لمسؤول نزيه أن يعمل وينتج وسط هواء ملوث بالفساد، ولهذا فإن أي قرار أو جهد يتعلق بمحاربة الفساد، فهو جهد يستحق الاحتفاء والتقدير، ويبشر بأن مستقبل الوطن واقتصاده وتنميته بخير، فالاقتصاد عدوه الأول هو الفساد؛ ولا يمكن الحديث عن اقتصاد وتنمية دون محاربة الفساد بلا هوادة.