بدر عبدالملك

تتبعنا مدى المتغيرات السلوكية والإجرائية التي فرضها كابوس كورونا المتجدد (كوفيد19) على المجتمع الدولي دون استثناء أي بلد بما فيه بلدان مجهولة ومغلقة مثل كوريا الشمالية، ولربما من حسن حظها انها كانت بلدا معزولا، غير انه من سوء حظها العلاقة الوثيقة بجاره الصين العظمى، فهل تسرب الفيروس الى هناك وتكتمت عن حالات الاصابة؟ ولماذا نسمع عن كوريا الجنوبية ولا نسمع الحقيقة عن الشمالية؟ وكأنما الكورونا لم ينجح في اختراق ملفاتها السرية فاصبحت بلدًا خارج المجرة الصحية والإعلامية.

سأستعرض الأرقام في لحظة كتابة الموضوع بتاريخ 17 مارس يوم الثلاثاء رغم علمنا إن كل ساعة يرتفع الرقم في كل أرجاء وبلدان العالم كأسهم البورصة.

حتى لحظة كتابتنا المقالة فإن عدد حالات الاصابة بلغت 189680 في أكثر من 162 بلدًا ومنطقة، كما بلغت مجمل الوفيات 7813 شخصًا. هذا الاكتساح الهائل والسريع لتفشي الوباء وتحوله الى جائحة عالمية كفيل بأن يدخل الفزع في قلوب الناس مهما حاولت الجهات الرسمية والمختصة كمراكز البحوث ومنظمة الصحة العالمية، فالقلق والخوف يلازم الانسان في مثل هذه المناخات الإعلامية المتوترة خاصة ونحن نمثل جيل التكنولوجيا الرقمية والفضاء المفتوح، لهذا الفيروس سجن العالم وقلب معاييرها وحساباتها ووضع الانسانية في قفصه الكبير في أكبر عملية تحدٍ تاريخي عالمي بين الفيروس وعقل الانسان، وما عاد بإمكاننا أن نضع البشرية في سفينة نوح ونهرب حتى يقف الطوفان. بتنا خارج الطوفان، وصارت سفينة نوح حكاية في متحف التاريخ، قياسًا لحقيقة أمام مشهد عيوننا.

لنتتبع ما فعله الفيروس لفرض سجنه وحصاره منذ انطلاقته وتوسعه وانتشاره في الصين. فقد نشرت صحيفة الاوبزرفر تقريرًا عن الاجراءات التي اتخذتها الصين لمواجهة انتشار فيروس كورونا القاتل، ومنها فرض حجر صحي على نحو 50 مليون شخص. ويا للرقم المهول للحجر فيبدو لي إنه أكبر حجر صحي في التاريخ. وأشار التقرير الى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ حذر من أن الصين تواجه وضعًا خطيرًا بتوسع انتشار الفيروس، فيما أمضى أكثر من 50 مليون شخص بداية السنة الصينية الجديدة في حالة إقفال تام. ولنتخيل ما يحتاجه ذلك من رصد ورقابة وتمويل وتواصل مع بشر بهذا الحجم الجغرافي والكثافة السكانية مما استدعى لإرسال ألف طبيب للمنطقة الموبوءة وتشييد مستشفيات خاصة في زمن قياسي مدته أسبوع. إلا يحتاج هذا العمل الخارق رفع القبعة للشعب والحكومة الصينية.

وتقول الاوبزرفر إن الحكومة الصينية في غياب معلومات دقيقة عن كيفية انتشار الفيروس (هذا الكلام في بداية الازمة) قررت اتخاذ إجراءات صارمة للسيطرة على الوباء، فقد وضعت 18 مدينة تحت العزل وأوقفت جميع القطارات والطائرات وحتى الزيارات العائلية.

كما قررت وقف سير السيارات الخاصة في شوارع مدينة ووهان التي ظهر فيها الفيروس، دون شك الفيروس أدخل ووهان التاريخ، حتى وإن قام بتحويلها رهينة تحت جدرانه الاسمنتية وستاره الحديدي.

توقفت الرحلات السياحية العالمية فقام الفيروس بتدمير اقتصاديات الصين ومن ثم قام بتدمير اقتصاديات الاخرين، فتجاوز حكاية الطوفان التاريخية ومدى ما تركه الطوفان خلفه من خسائر مالية!!. في مثل هذا الظرف الذي داهم ووهان من الطبيعي أنها بحاجة الى مساندة ودعم من خارج مقاطعتها فارسلت السلطات الصينية ألفًا من الأطقم الطبية الى ووهان التي شهدت أكثر عدد من الاصابات ويعاني فيها الاطباء من الإرهاق وتقل فيها التجهيزات والمعدات الطبية، فتبرهن تلك الحالة على أهمية الاستثمار في المجال الصحي ومدى استعداد الاطباء العمل بكثافة مهنية يجلها العالم في كل مكان بالاحترام والتقدير، كما عمل طاقمنا الطبي في البحرين بروح من الايثار والتضحية والعطاء.

وساهم الفيروس في إظهار التناقضات المهنية والسياسية بين الحكومات المحلية والحكومة المركزية نتيجة الغضب الشعبي المتزايد من السلطات المحلية التي لم تتحرك بسرعة أكثر والتشكيك في عدد المصابين الرسمي، فقليل من الصينيين نسوا تغطية الحكومة على انتشار فيروس سارس في 2002 الذي أودى بحياة 800 شخص.

وفي كل أزمة ومعضلة وبلاء لابد من أن تخرج لك جموع المعارضين، خاصة وإن معارضي الصين رغم قلتهم، غير أنهم أثرياء وتحتضنهم الولايات المتحدة، فكان لابد من استثمار الحالة لتهييج وإرباك الشعب الصيني في الداخل فعملت ماكينة التدجيل والمبالغة أكثر من اللازم، متناسية أن السياسة الصينية أصبحت أكثر واقعية وشفافة في التعامل مع شعبها، فالصين باتت تدرك معنى عالم الاتصالات والثورة الرقمية، كما انها باتت جزءًا من ثورة المعلومات، ولكن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة لم تنتهِ بالكامل، وإن بدت اللغة الدبلوماسية ناعمة أكثر مع الوباء المخيف على حدود كل البلدان بعد أن انتشر وتوسع وتحول الى جائحة مرعبة.