مساعد العصيمي

لم يكن انتشار وباء كورونا إلا إعلاناً عن عالم جديد.. سيكون الحذر عنوانه، والمصلحة الخاصة هي محركه.. هيئة العالم وصورته ستتبدلان، والانتكاس نحو الداخل لخدمة الشعب سيكون هو السائد.. ليكون المبدأ "كل ما سنعمله لن يذهب خارج بلادنا إلا لمصلحة ينال مستحقاتها الداخل".. فكورونا كشف أكذوبة الاتحاد الأوروبي والارتقائية المصطنعة لكثير من دول شرق آسيا.. بل عززت مقولة عدم قدرة أميركا على السيطرة على التجارة العالمية.. فهي لم تملك الحلول الناجعة حين الأزمة.

كورونا كشف أيضاً هشاشة دول كثيرة وعدم مقدرتها على حماية داخلها وهي في حال السلم.. فكيف إذا ما تم الأمر لو أن حرباً مستعرة قامت واستخدمت فيها الأسلحة البيولوجية لتثبت لنا أن إيران ستسقط خلال ساعات وليس أياماً جراء ذلك، والأمر نفسه لإيطاليا وإسبانيا المنتشيتين بالاقتصاد الأوروبي والتحالف العسكري مع الناتو.

انتهت كل الأكذوبات بعد أن تجلّى الأمر تماماً.. فلن يكون السلاح هو المسيطر ولا الاقتصاد والتجارة الحرة عالمياً.. بل ما سيكون ذا أولوية قصوى بناء الداخل وتحصينه وجعله قادراً على إدارة نفسه ومقاومة أي أزمة أو وباء قادم.. حتى ما يطلق عليه دول العالم الثالث استشعرت الأمر واكتشفت الأكاذيب، فإن كان بين الصين وأميركا حرب تجارية فليقوموا بها بعيداً عنها وحتى أوروبا ترى ذلك.. وإن كان ثمة حرب باردة جديدة فعلى أطرافها أن يتقاسموا لوحدهم الثمن الباهظ الناتج عنها!

وباء صغير مثل كورونا كشف أن العالم كان من الممكن أن ينتحر في لحظة لو أن مجنوناً أطلق حرباً نووية أو بيولوجية.. كشف أيضاً أن التنافس بين الدول لا تحكمه أخلاقيات ولا حتى قيم.. إذ بإمكان مغفل كما كان عليه هتلر أن يعلن نهاية العالم وانتحاره حينما يتبادل المعتوهون الحرب بكل الأسلحة المتاحة الآن.. والتي نحمد الله أنها لم تتح لهتلر ومن كان على شاكلته عبر التاريخ.

قد يكون كورونا نتاجاً لتنافس ما، أو خطأ ما، أو إجرام ما، لكن لنعترف أنه ومنذ بداية قرننا الميلادي الجاري لم ينفك العالم عن إنشاء تحالفات ومؤامرات تجره إلى التنافس الذي يبحث عن إقصاء الآخر والقضاء عليه.. هكذا كانت المجموعة الأوروبية.. دول جنوب شرق آسيا.. الحرب التجارية بين الصين وأميركا.. الحمائية بين أميركا وأوروبا وكذلك مع آسيا.. الفتنة الإيرانية وجعل العالم متوتراً بسببها.. وكل قام بدوره على أكمل وجه لإفساد العالم.

المهم في القول: إن عالمنا الجديد المقبل لن يخلو من فائدة كبيرة من أزمة كورونا التي أنتجت مجتمعاً عالمياً متوتراً خائفاً، وأحسب أنها فائدة عظيمة.. وهي أنها ستزيد من حرص الدول على عدم المخاطرة بخوض أي حرب نووية أو بيولوجية، ولن يسمح لأي متهور بذلك؛ لأنها ستفجر وتقضي على من يبدؤها قبل الآخرين كأحد أهم وأفضل الدروس.