علي بن محمد الرباعي


لا بأس بقليل من الخوف ينفع البشر. الخوف حسب تصوري مرتبة بين الجُبن والتهور. من حكايات حرب الخليج الثانية إثر تحذيرات الدولة للمواطنين من احتمالية وصول بعض الغازات السامة الناجمة عن صواريخ اقتضت التعليمات اختيار مكان آمن في المنزل وإغلاق الشبابيك جيداً باللاصق. والتزود بالتموين. روى صديق أنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد حتى سمع دوي صفارات الإنذار فذهب للسوق، وتبضع احتياجات استهلاكية تكفيه لمدة شهرين إضافة لتأمين كمامات. والدته كانت في الثمانين من عمرها المديد أصرت على ارتداء الكمامة، ولبستها بالمقلوب فكادت تودع الحياة لأنها كتمت نفسها. نزلوا البدروم بعد تناول وجبة عشاء دسمة. وبمجرد الاستقرار على الفرش المؤقت بدأ الصغار يشتكون الجوع وامتدت الأيادي لكراتين المعلبات وطوال الليل لم تهدأ الخرفشة.

إشكالية العقل التقليدي أنه سلّم مبكراً بمقولات تتنافى مع العقل المدني وتعوّد الكسل عن التفكير واستهان بالعلم واستشراف المستقبل، ولذا لا يختار الأفضل والأحوط إلا عند الشعور بالخطر المحدق. سنين مرت دون اهتمام منا بالصحة العامة. أو تفادي الأوبئة، ومعظمنا لا يزال يرى في الأخذ بالوقاية ضعفاً وفي التزام التعليمات استعباداً باعتبار أن الحذر لا ينجي من القدر.

جانب من احترام الدولة يقوم على احترام الأنظمة والتعليمات باعتبارها جزءاً من منظومة الدِين الذي جعل طاعة الحاكم ضمن مراتب طاعة الله ورسوله بنص قطعي الثبوت والدلالة. وكوننا ننفذ التعليمات محبة ليس كمن يتفاعل معها مكرهاً. ومن احترم ضوابط وتشريعات وأوامر الوطن برئت ذمته.

الأزمات فرصة لفتح أبواب الأسئلة وتركها مشرعة. لماذا لا نتفادى ما يوصلنا للخوف؟ كم نسبة إسهامنا في إفساد بيئتنا؟ كيف هي علاقتنا بالتوجيهات والإرشادات الصحية؟ أيهما أفضل أن نطبق التوجيهات والتعليمات والقوانين اختياراً، أم بفرضها علينا من خلال عقوبات وغرامات؟ هل الدولة أحرص من الشعب على نفسه؟ كل إجابة على سؤال من هذه الأسئلة تحبل وتتوالد بأسئلة كبرى ترتبط بالوعي ومستواه.

الخوف من الموت والتمسك بالحياة أمر فطري، ولا بأس ببعض الخوف المحفز إيجابياً للتفاعل مع سبل ووسائل الوقاية.

البعض لا يلتزم بالتعليمات إلا عند فرض غرامات. والشرع أقر الحجر على السفيه لمصلحة نفسه حتى نأنس منه رُشداً.