جوليان بيركينشو


يسير التغيير بوتيرة متسارعة في عالم اليوم، حيث إن «سرعة الزمن» في الأعمال التجارية، من حيث دورات المنتج، ونشر تكنولوجيا جديدة، والأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، تبدو أسرع من أي وقت مضى. فهل يعني ذلك أن الشركات باتت تتمتع بقدرة داخلية على التكيف ومواكبة هذه التغييرات السريعة وما تفرضه من تحديات؟ وهل نشهد نمواً مشابهاً في معدلات الاستجابة داخل الشركات لتلك التغييرات المتزايدة والهزّات الخارجية المتسارعة؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة لدى الغالبية العظمى من الشركات هي للأسف «لا». وغني عن القول، إن تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) مؤخراً كشف عن مدى ضعف قدرة الشركات في التعامل مع هذه الهزات المفاجئة، وعدم قدرة الكثير من الشركات المرموقة على مواكبة التحولات واسعة النطاق في الطلب وتوقعات العملاء.

وإذا ما ألقينا نظرة أكثر تمعناً على ما تفعله الشركات لزيادة «سرعة» عملياتها الداخلية، فإننا نجد مجموعة من الإيجابيات والسلبيات. ومن الإيجابيات التي قد نجدها عند بعض الشركات، الابتكارات في أنظمتها لتكنولوجيا المعلومات، والتي يتم تهيئتها بما يتيح لها الاستجابة بصورة آنية، مثل شركات الخدمات اللوجستية التي تقدم خدمات تتبع آنية للعملاء.

وفي حين تتعامل الشركات الصغيرة الناشئة بشكل جيد مع التغييرات وتستجيب لها بسرعة، فإن معظم الشركات الكبرى تكون مقيّدة بهياكل تنظيمية وعمليات داخلية تحدّ من مرونتها. حيث تقاس السرعة في المؤسسات الكبيرة بالأسابيع والأشهر والسنوات، بينما يسير الزمن بالنسبة للعملاء بالساعات والأيام، مما يجعل من الصعب على هذه المؤسسات المحافظة على صلتها بالعملاء.

لذا من المفيد، عند استكشاف الحلول، التوقف والتأمل قبل اتباع مسارات عمل مكلفة أو مسارات يصعب التراجع عنها بعد البدء بها. وإذا ما أخذنا طرق الاستجابة لفيروس كورونا (كوفيد -19)، فإننا نجد أن معظم المؤسسات لم تكن مهيأة لذلك، وكان تحركها بطيئاً جداً، لكن من جهة أخرى لم يكن من المنطقي التعامل مع هذا الأمر غير المسبوق بصورة تلقائية.

وفي ظل عالم سريع التغير كالذي نعيشه، فإنا بحاجة لأن يتخذ صناع القرار أحكاماً مدروسة، وأن يكون لديهم الوقت الكافي لدراسة الموقف والتأمل فيه، الأمر الذي يستدعي تمكينهم من الوصول سريعاً إلى المعلومات ذات الصلة. وهنا بالضبط مكمن الخلل، إذ يحصل صناع القرار، في معظم المؤسسات، على مزيج من البيانات، يكون التركيز فيها على المعلومات العادية التي صممتها أنظمة تكنولوجيا المعلومات للإبلاغ عنها بدلاً من المعلومات ذات الصلة بالأحداث الحالية، مثل ملاحظات العملاء ومشاركات الموظفين. وعليه فإن اتخاذ القرار يسير بسرعة تقديم المعلومات ومدى شموليتها.

وهنا نقدم طريقتين يمكن الاستفادة منهما والعمل وفقاً لهما:

أولاً، بناء مؤسسة قادرة على السير بسرعة مزدوجة، بحيث يمكن مطابقة دورة صنع القرار الداخلية مع احتياجات العمل. كما يمكن دراسة كيفية الاستجابة لخطر مثل تفشي فيروس (كوفيد -19) أيضاً. لذا فإن إنشاء فريق عمل تحت إمرة الرئيس التنفيذي لمراقبة الوضع يعد خطوة أولى جيدة. لكن فريق العمل هذا يحتاج أيضاً إلى امتلاك صلاحية العمل بسرعة، حتى تتمكن المؤسسة من مواكبة ما يحدث خارج حدودها. ولسوء الحظ، وجدت معظم فرق العمل التي تم إنشاؤها أثناء انتشار فيروس (كوفيد -19) أنها تقدم تقاريرها إلى لجان يرأسها مديرون يفتقرون للوعي والاطلاع الجيد، الأمر الذي أبطأ خطة الاستجابة بأكملها.

ثانياً، العمل على تعزيز جمع المعلومات في المؤسسة في الوقت الحقيقي. وهذا يعني بناء الأنظمة والقدرات التي تمكّن الأشخاص عبر المؤسسة من معرفة ما يجري في جميع الأوقات، حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات ذكية حول كيفية التصرف.

لقد طبقت العديد من الشركات الناجحة نهج الاستجابة في الوقت الحقيقي، لكن هذه الشركات كانت الاستثناء وليس القاعدة، وأسباب هذا الأمر واضحة وجلية. فالأشخاص في الشركات الكبيرة يفضلون الوتيرة الداخلية البطيئة والثابتة للعمل، ودورة التحديثات الأسبوعية أو الشهرية، وعملية إعداد الميزانية السنوية، وهم بالتالي لا يعرفون حقاً طريقة أخرى للعمل خارج هذا الإطار.

وبالطبع، لا يعتبر هذا سبباً لإبقاء الأمور على ما هي عليه، لأن هناك دائماً مجالاً للتجربة من أجل مساعدة الشركة للبقاء على أهبة الاستعداد والاستجابة والمواكبة. وعلاوة على ذلك، تعتبر الهزات المفاجئة مثل فيروس «كوفيد -19» أداة دفع ضرورية في بعض الأحيان لقلب الأمور وتجربة أشياء جديدة.

* أستاذ الاستراتيجية وريادة الأعمال ونائب عميد كلية لندن للأعمال